الخليقة
أراد الربّ أن يجعل من هذا الخلق تحفةٍ. كانت الأرض خالية خاوية، وعلى وجه الغمر ظلام. فقبل أن يخلق الله، كان هناك الظلام على وجه الغمر. يعني على وجه المياه، المياه العميقة. والأرض لا يُوجد فيها شيء أبدًا، كأنّها صحراء قاحلة لا مياه فيها ولا نسمة ولا أي شيء آخر.
فخلق الله الكون من العدم، أى من اللاشىء، فقبل خلق الكون لم يكن شىء آخر موجودًا غير الله ذاته.
فإن إرادة الله هي السبب الكامن وراء وجود الأشياء وخلقها (رؤ4: 11)
(أَنْتَ مُسْتَحِقٌ أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ).
فحقيقة خلق الله للكون تحتوى على جانب إيجابي ذات معنى عميق ومقصد عظيم. فقد خلقه الله في حكمته لغرض ما. وعلينا أن نفهم هذا الغرض ونستخدم الخليقة بطرق تناسب هذا الغرض، أى تمجيد الله نفسه. وفضلا عن ذلك، فكلما جلبت لنا الخليقة الفرح (1تى6: 17).
ويعلمنا الكتاب المقدس أن الله خلق آدم وحواء بطريقة شخصية خاصة:"
"وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً" (تك 2: 7). وبعد ذلك خلق الله حواء من جسد آدم: "فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا.
22 وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ."( تك 2: 21-22).
فنحن مخلوقون على "صورة الله"نحن تاج خليقة الله. ونحن أكثر شبهًا بالله من أى مخلوق آخر. مخلوقون لنسود على بقية الخليقة لتمايزنا عن بقية الكون.
المقصود من ذلك هو أن نكون نحن البشر صورة حيّة تعبّر عن من هو الله. ومعناه أن نكون معاونين له، فهو الذي يواصل عمله في الخلق وتنمية وتطور الحياة من خلالنا. ومعناه أيضا أننا ننتمي إلى الله، فيجب على كياننا ووجودنا أن يبقيا دائما متعلقين به ومرتبطين بسلطانه. وفي اللحظة التي نفصل فيها أنفسنا عن الله، نفقد القدرة على رؤية هدف وجودنا على الأرض.
و بإعطائنا روحه جعلنا الله كائنات مسؤولة تملك الحرية للتفكير والعمل، وتؤديها بمحبة. كائنات تعكس نشاطه الخلاق في الكون.
ولكوننا قد خُلِقنا على صورة الله، والله أبديّ، فلا يمكن أن نتلاشى، في نهاية الحياة، كالدخان. فحياتنا متأصِّلة بالأبدية. فحياتنا تحمل علامة الأبدية، أي بمعنى علامة الله الأبدي الذي خلقنا على صورته، ولا يريدنا أن نُبتَلع إلى زوال، بل يدعونا إليه، إلى ما هو أبدي.
غرس الله الأبدية في قلوبنا: «إِذْ صَنَعَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَناً فِي حِينِهِ وَغَرَسَ الأَبَدِيَّةَ فِي قُلُوبِ الْبَشَرِ،» (جامعة3 : 11 )
وفي أعماق كل منّا اشتياق إلى الأبدية، بمعنى اشتياق إلى الحياة مع الله في ملكوته. وعندما ننكر هذه الحقيقة ولا نعيش سوى من أجل الحاضر فقط، فإن كل ما يحدث لنا في الحياة يظل غامضا ومغلّفا بألغاز محيرة، ويبقى كياننا الداخلي غير مقتنع وغير راضٍ على حالنا. وتظل ارواحنا عالقة بلا شبع.
إن تعاليم الكتاب المقدس حول العلاقة بين الله والخليقة فريد بين ديانات العالم. فالكتاب المقدس يعلم أن الله متمايز عن الخليقة. فالله ليس جزءًا من الخليقة فهو الذي صنعها ويحكمها. فأن الله أعظم من الخليقة ومستقل عنها. والله مشترك ايضًا في الخليقة لأنها معتمدة عليه باستمرار في وجودها وعملها.
في ايوب 12: 10، يؤكد أن حتى الحيوانات والنباتات تعتمد على الله: " الذي بيده نفس كل حي وروح كل البشر"وفى اع: 17: 25 " به نحيا ونتحرك ونوجد". عب1: 3" حامل كل الأشياء بكلمة قدرته".
فالهدف من كل الخليقة هو إظهار مجد الله حتى الخليقة الجامدة، النجوم والشمس والقمر، تشهد لعظمة الله: " اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍ يُذِيعُ كَلاَمًا، وَلَيْلٌ إِلَى لَيْل يُبْدِي عِلْمًا.
تظهر الخليقة قوة الله وحكمته، فخلق العالم كان عملاً إراديًا حر بشكل كامل من قبل الله، اختار الله أن يفعله. " رؤ4: 11 " أنت خلقت كل الأشياء، وهي بإرادتك كائنة وخلقت".