لماذا خلقنا الله؟ وكيف صنعنا على صورته كشبهه؟
وكيف يمكننا أن نُسره في حياتنا اليومية ؟
خلق الله الإنسان على صورته "على شبه" الله عمله وكان كما يقول القديس بولس بالروح "صورة الله ومجده" وجعله الله تاج لخليقته وخليفة له فى أرضة، ومنحه "نسمة حياه"، نعمة الوجود فى الحياة ككائن حى، ووضعه في جنة عدن ووهبه نعمة الوجود فى الحضرة الإلهية عندما كان يتحدث مع الله ويسمع صوته من الريح العاصف. وكان على الإنسان أن يقدم الحمد والشكر والتمجيد لله خالقه ويهتف مع الخليقة قائلاً "أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك خلقت كل الأشياء وهى بإرادتك كائنه وخُلقت.
وأعطى الله الإنسان الذى خلقه على صورته كشبهه السلطان على كل شىء على الأرض "على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض. ولكن الإنسان عصى الله وسقط فى الخطية وطرد من جنة عدن وحرم من نعمة الوجود فى الحضرة الإلهية، إذ فصلت الخطية بينه وبين الله، وصارت هناك قوه سحيقة بينه وبين الله "فطرد الإنسان وأقام شرقى جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة شجرة الحياة.
وعلى الرغم من أن الله كان يتصل بآدم ويكلمه وكان أدم يسمع صوته "عند هبوب ريح النهار وأستمر الله يكلم ذريته مثل قايين ونوح ويسمعون صوته، إلا إنه، الله، فى جوهره وطبيعته غير مرئى وغير مدرك وغير محدود، سواء بالنسبة لأدم أو بقية الخليقة. فهو غير محدود فى المكان "أما أملأ أنا السموات والأرض يقول الرب"، وغير محدود فى الزمان "أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيرى"، "الكائن والذى كان والذى يأتى، أى الذى لا بداية له ولا نهاية له، وغير محدود فى القدرة "القادر على كل شئ" وغير مرئى "الله لم يره أحد قط، "لا يفنى ولا يُرى"، " الذى له وحده عدم الموت ساكناً فى نور لا يدنى منه الذى لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه"، وير مدرك بالحواس "القدير لا ندركه، "ليس عن فهمه فحص"، "ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء"، أو كما يقول الحكيم بالروح "كما أنك لست تعلم ما هى طرق الريح ولا كيف العظام فى بطن الحبلى كذلك لا تعلم أعمال الله الذي يصنع الجميع.
ولأن الله غير محدود فى كل شئ والإنسان، خليقة الله، على العكس تماماً، محدود فى كل شئ، والمحدود لا يمكن أن يدرك غير المحدود، لذلك لم ولا ولن يستطيع عقل الإنسان المحدود أن يدرك الله غير المحدود على الإطلاق.
- الله لم يكن في حاجة إلى خلق الإنسان إنما خلقنا لمجده. الله لا يحتاج إلينا أو إلى سائر خليقته في أى شىء، إنما نحن مع سائر الخليقة نمجده ونُسره. ففي وجود المحبة والشركة، اللتين تميزت بهما بشكل كامل العلاقة بين الاقانيم ضمن الثالوث، وذلك منذ الأزل(يو17: 5و24)، ندرك أن الله لم يخلقنا بسبب شعوره بالوحشة أو من قبيل حاجته إلى تكوين شركة مع اشخاص آخرين..الله لم يكن في حاجة إلينا لأى سبب. ومع هذا، لقد خلقنا الله لمجده الخاص.
إن هذه الحقيقية تضمن أن يكون لحياتنا معنى. فعندما ندرك لأول وهلة أن الله لم يكن يحتاج أن يخلقنا، ولا هو في حاجة إلينا في أى شىء، قد يتبادر إلى أذهاننا أن حياتنا تخلو من أية قيمة على الإطلاق. لكن الكتاب المقدس ينقل إلينا أن القصد من خلقنا هو تمجيد الله، الأمر الذى يؤكد أننا على درجة عالية من الأهمية في نظر الله نفسه. هذا ما يُضفى على حياتنا أسمى بُعد من الأهمية الحقيقية : فإن كنا حقًا هامين بهذا المقدار عند الله إلى أبد الآبدين، فأية نسبة أعلى من الأهمية قد نتوخى بعد ؟
- ماهو هدفنا فى الحياة؟ أن كون الله قد خلقنا لمجده هو الذي يقرر الجواب الصحيح عن السؤال: " ماهو هدفنا في الحياة؟" فهدفنا يجب أن يكون تتميم القصد الذي من أجله خلقنا الله: تمجيده. هذا الأمر يشكل خلاصة مفيدة للهدف من وجودنا، وذلك في ما يتعلق بالله نفسه. أما فيما يتعلق بمصالحنا الخاصة فسنكتشف، ويالهنانا ،أننا مدعوون إلى الاستماع بالله والتلذذ بعلاقتنا المباركة معه. قال الرب يسوع: " وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل" (يو 10: 10). وداود يخاطب الله بالقول:" أمامك شبع سرور. في يمينك نعم إلى الأبد" (مز16: 11). إنه يتوق إلى السكن في بيت الرب إلى الأبد لكى ينظر "إلى جمال الرب" (مز27: 4). كذلك، يرفع آساف صوته قائلاً: من لي في السماء؟
ومعك لا أريد شيئاً في الأرض
قد فني لحمي وقلبي
صخرة قلبي ونصيبي الله إلى الدهر". (مز73: 25و26)
نحن سنختبر شبع السرور من خلال تعرفنا بالله، وتمتعنا بشخصيته الفريدة. فالوجود في حضرته للتلذذ بالشركة معه، يبقي أعظم بركة قد نتخيلها.
وعلى قدر ما نمجد الله ونتمتع به، يخبرنا الكتاب المقدس أنه هو أيضًا بدوره يفرح بنا. فنقرأ مثلاً: " وكفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك" ( غش 62: 5). كذلك يتنبأ بأن الرب " يبتهج بك بترنم" (صف 3: 17و18).
- الإنسان في صورة الله..مامعنى " صورة الله"؟
هناك مخلوق واد من جملة كل المخلوقات ، مذكور عنه أنه صُنع " على صورة الله".
إن حقيقية كون الإنسان على صورة الله تعنى أن الإنسان هو شبيه بالله ويمثله تعالى.
عندما يقول الله: " نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك1: 26)، فالمعنى المقصود هنا هو أن الله ينوي صنع خليقة شبيهة له. " نصنع الإنسان مثلنا ولكي يمثلنا." فإن حقيقة كون الإنسان على صورة الله تعني أن الإنسان هو مثل الله من النواحي التالية: القدرة الفكرية، النقاوة الأدبية، الطبيعة الروحية، التسلط على الأرض، القدرة الخلاقة عنده، إمكانية اتخاذ قرارات أدبية.
إن إدراكنا هذا لمعنى كون الإنسان قد خُلق على صورة الله، يعود فيؤكده الشبه القائم بين مضمون تكوين 1: 26 حيث يُفصح الله عن نيته بأن يخلق الإنسان على صورته كشبهه من جهة، وتكوين5: 3 " وعاش آدم مئة وثلاثين سنة وولدًا على شبهه ودعا اسمه شيثًا." لم يكن شيث نسخة طبق الأصل من آدم، لكنه كان يشبهه من عدة أوجه انطلاقًا من شبه الابن بأبيه. فالنص يعني ببساطة، أن شيئًا كان مثل آدم. ولم يذكر أى شىء لتحديد أوجه الشبه بينهما. لذا لا يجوز لنا بدورنا أن نحاول حصر هذا الأمر في هذا المجال أو ذاك. فهل يتعلق ذلك بعينيه البنيتين؟ أم بشعره الأجعد؟ أو ربما كان يختص الأمر بلياقته االبدنية أو بجديته أو حتى بطبعه الحاد؟! وبالطبع لا نفع من كل هذه التخمينات. لكن، من الواضح أن كل واحدة من النواحي التي يظهر فيها شيث مثل آدم، إنما تشكل جزءًا من شبهه له وبالتالي جزءًا ايضًا من كونه "على صورة" آدم. كذلك، فإن كل ناحية يظهر من خلالها الإنسان شبيهًا بالله تشكل جزءًا من كونه على صورة الله كشبهه.
- السقوط : صورة الله تشوهت من غير أن تفقد.
قد نتساءل إن كان لا يزال بوسعنا اعتبار الإنسان على شبه الله بعد أن أخطأ. إن هذه المسألة يحسمها الكتاب في بداية سفر التكوين، حيث منح الله نوحًا السلطان بعد الطوفان بأن ينزل عقاب الموت بحق كل من تسوله نفسه أن يقتل إنسانًا. يقول الله: " سافك دم الإنسان" (تك9:6). فمع أن بني البشر قد أصبحوا خطاة، إلا أنهم ظلوا يحتفظون بالقدر الكافي من الشبه لله حتى إن قتل أى شخص هو بمثابة الهجوم على ذلك الجزء من الخليقة الأكثر شبهًا بالله. كما أنه يرفع النقاب عن محاولة أو رغبة (من أمكن) في مهاجمة الله نفسه. إذًا، لا يزال الإنسان على صورة الله. ويأتى العهد الجديد ليؤكد هذه الحقيقية عندما يصرح يعقوب بأن الناس على وجه العموم، وليس المؤمنون وحدهم، قد تكونوا على شبه الله" (يع 3: 9) . ولكن، بما أن الإنسان أخطأ، لم يعد بالطبع يحتفظ بكامل شبهه لله كما كان من قبل. لقد خسر نقاوته الأدبية كما أن خُلقة الخاطىء لم يعد بالطبع يعكس قداسة الله. كذلك، فَسَد ذهنهه بفعل الكذب وسوء الفهم، وكلامه لم يعد يمجد الله باستمرار، وعلاقاته باتت غالًا مستوحاة من الأنانية وليس من المحبة، فالإنسان لا يزال يحتفظ بصورة الله، إلا أن شيئًا من هذه الصورة قد تشوه أ فُقد. وباختصار: " الله صنع الإنسان مستقيمًا. أما هم فطلبوا اختراعات كثيرة" (جا7: 29). إذا بعد السقوط لا نزال في صورة الله .. نحن لا نزال على شبه الله، ولا نزال نمثله تعالى- لكن صورة الله فينا قد تشوهت، لقد أصبحنا الآن أقل شبهًا بالله مما كنا عليه قبل دخول الخطية.
من الضرورى إذًا أن ندرك كل أبعاد معنى صورة الله لا من خلال ملاحظتنا لواقع الناس اليوم بل بالحري من منطلق الإشارات الكتابية إلى طبيعة آدم وحواء عندما رأى تعالى أن كل ما عمله هو حسن جدًا (تك1: 31). كما أن طبيعة الإنسان الحقيقية على صورة الله برزت ايضًا في الحياة التي عاشها المسيح هنا على الأرض. إن بشريتنا في كامل درجات سموها لن تُرى مجددًا في الحياة على هذه الأرض إلا حين رجوع المسيح ليمتعنا بكل بركات الخلاص التي جعلها من نصيبنا.