أغصان الكرمة العدد (3) نوفمبر 2020
تلاحظون معي أن هناك حرب شرسة تلك الأيام على أسرنا، أرجو أن نكون واعين لها مُدركين خطورتها، فلو تدمرت الأسرة تدمر كل شيء؛ لذا سنكتشف سويًّا في هذا المقال أسرار النصرة في حياة أسرنا.
عدم الاستهانة: ما يشجعنا إن النصرة في تلك الحرب مُمكنة كما حدث مع جدعون الذي انتصر بعدد قليل (300 جندي) وامكانيات بسيطة، لكنهم كانوا ممتلئين حماسًا، واخلاصًا، وثقةً في الله، والنفس؛ لذا لا تستهن بالقليل الذي لديك: ابتسامتك، خدمتك، لمستك، فعمل بسيط أو كلمة تشجيع، او اعتذار بصدق من القلب تؤثر و تغير في الجو المحيط بأسرتك. لا تستهن بشريك حياتك، لا تحتقره لا بكلمة، ولا حتى نظرة، اياك والغدر أوالخيانة حتى بالكلام على وسائل التواصل. لا تستهن بطفلك الصغير، فطفل اليوم هو رجل الغد. لا تستهن بما تزرعه في أطفالك بسلوكك. لا تستهن بعملك، ولا دخلك منه، لا تحتقر صلاتك الصغيرة يوميا، فالله قادر أن يبارك القليل، لأنه لا ينظر للكم بل الكيف، إنه ينظر لدوافع القلب قبل أي شىء.
وافق جدعون على دخول الحرب حتى بعدما خفَّض له الرب العدد من 32000 جنديًّا إلى 300 جنديًّا. وأشار له إلى أدوات بسيطة، من وجهة نظرنا البشرية لا تنفع، لكنها كانت سر النصرة. جرار فارغة، أبواق، مصابيح؛ لذا أقول لجميعنا: “ثق في طرق الله حتى وإن كانت غريبة عن طرقنا وأفكارنا. كن مُصرًا على عمار لا خراب بيتك وستنتصر مهما كانت إمكانياتك قليلة، والتحديات كبيرة. لتكن حياتك كالجرار الفارغة، خالية من الأنا و الكبرياء، كُن متضعا مع شريكك وأهل بيتك. لتكن حياتك كالمصباح مُنيرة، مستقيمة بلا لف أو دوران أو خداع مهما كانت الظروف. لتكن حياتك في أسرتك كالبوق، يخرج منها صوت الحمد والشكر والتسبيح والحب، حب لله، وبعضكم من قلب طاهر وبشدة.”.
التوازن: قال د.ق جون ستوت: “ليتنا نحب حياة الاتزان بقدر ما يكرهها الشيطان”. تحتاج الأسرة لتنتصر وتحقق خطة الله إلى حب حقيقي من القلب + حزم وانضباط واعي. البعض فهم الحب على أنه الفوضي، والتسيب، وكسر القوانين، وغياب المحاسبة، والتوجيه والعتاب. انتبهوا لتلك المعادلات الهامة (حُب- حَزم = تسيب/ حَزم- حُب= قسوة/ حُب+ حَزم= اتزان= نُصرة). كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل (مت 5: 48)، كونوا كاملين أي ناضجين مُتزنين، لا مُتطرفين في مشاعركم سواء فرح، أو حزن، وكلامكم، وأفعالكم، ومواجهاتكم للمشكلات.
العطاء: يُعتبر العطاء احد أسرار النصرة في الحياة عمومًا والأسرة خصوصًا، مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ (أع 20 : 35). أما الأنانية
فهي سر الخراب والدمار والانكسار. كثيرون يدخلون الزواج كصفقة تجارية كل تفكيرهم ماذا آخذ؟ وكم أستفيد؟ لذا زواجهم مُهدد بالاندثار والانهيار. لكن ماذا أعُطي؟ هل العطاء هو عطاء مادي فقط؟
نعطي احترامًا شديدًا لنقاط القوة فينا، وكذلك نقاط الضعف، نعطي احترامًا لخصوصيات، ومواهب، وميول، ووقت، وعمل بعضنا البعض، نعطي اهتمامًا حقيقيًّا بحب كل يوم، لا في المناسبات فقط، نعطي تشجيعًا ومساندةً خاصةً وقت الضعف والفشل والهزيمة، نعطي وقتًا قيّمًا لبعض، نعطي إصغاءً لنفهم الكلام وما خلفه من مشاعر وأحاسيس، نعطي فرصةً للتعبير عن الرأي والمشاعر، ونعطي فرصة للتغيير؛ فالزواج رحلة تغيير للأفضل. دعونا نصبر على بعضنا البعض.
النظافة: طلب داود من الرب النظافة “اغسلني فأبيض أكثر من الثلج” مز51: 7 وطلب كاتب العبرانيين من المؤمنين أن يكون الزواج مُكرَّمًا والمضجع غير نجس” أي نظيفًا طاهرًا مقدسًا (عب 13 : 4)؛ لذا أرجو أننا كما نهتم بنظافة البيت، أن نهتم بنظافة حياتنا من الشر والالتواء والعوج والكبرياء والعلاقات والكلمات الفاسدة التي تلطخ البيت بالعار. أرجو أننا كما نهتم كل يوم أن نخرج المهملات من بيتنا لئلا تُفسد رائحته الجميله، أن نخرج أول بأول من حياتنا كل الخطايا العفنة والتي تعوق أن نكون رائحة المسيح الذكية لمن معنا بالبيت والعمل. ليتنا كما نهتم ونحرص على نظافة مظهرنا الخارجي أن نهتم بنظافة الروح والدوافع لأنها الأهم “طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله”مت 5: 8. لنهتم بنظافة ونقاوة الفكر والدافع فتأتي الأعمال والأقوال نظيفة ومقدسة وبانية لكل من حولي خاصة أسرتي.
القدرة على إدارة الغضب: غضب يونان فسأله الله: “هل اغتظت بالصواب؟” (يون4)، أي: هل غضبك صحيح؟ الغضب طاقة إذا كبتناه دمرنا، وإذا أطلقناه دون وعي دمر غيرنا فتعلم وتدرب كيف تدير هذه الطاقة الخطيرة للخير والبناء لا للشر والهدم. تدرب أثناء الغضب أن تصمت، فالغضب والسُكر سيان، كلاهما يُذهب العقل. لذا قالوا :تحدث وأنت غاضب فستتحدث أعظم حديث تندم عليه طول العمر. إن كان من حقك أن تغضب وتعبر عن ضيقك، فليس من حقك أن تخطىء “اغضبوا ولا تخطئوا” (أف4: 26). أثناء الغضب ضع لسانك في فمك، ويدك في جنبك حتى لاتدمر نفسك، أو أهل بيتك. لا تتخذ قرارًا وأنت غاضبًا لأنه سيكون عاطفيًا متهورًا ونتائجة ستكون سلبيةً. لا تراعي الغضب أو تنميه داخلك، تدرب أن تتخلص منه أول بأول “لا تغرب الشمس على غيظكم” (أف4: 26) فمن يحتفظ بالغضب داخله كمن يحتفظ بالسم في معدته فسيدمره. تدرب على الكلام الحكيم والجواب اللين مع الجميع خاصة أسرتك حتى تتجنب المشاكل “الجواب اللين يصرف الغضب” (أم 15: 1).
صيانة العلاقات: “للصيانة وقت” (جا 3 : 6). من الملاحظ غياب ثقافة الصيانة في بلادنا الشرقية، مما يكلفنا الكثير والكثير. تمرض أجسادنا، تتعطل السيارة، تهدر المياة، تفسد الأجهزة، تتشقق الحوائط، وتنهار المبانى، لكن من يعتني بصيانة ممتلكاته يطيل عمرها وتظل في خدمته. هكذا العلاقات الأسرية هناك من يهمل صيانة علاقته خاصة بالشريك، الوالدين، الأبناء، الأقارب فتنهار العلاقة. لكن ما معني صيانة العلاقات الأسرية؟
صيانة واحترام كل ما يخص شريكي(وقته، فكره، مواهبه، طموحه، نقاط قوته وضعفه، أهله، أصحابه، عمله، ماله). الصيانة هي عمل كل شىء في وقته، فلا نؤجل التهنئة، أو الهدية، أو السؤال، او أي خدمة لوقت لاحق. الصيانة معناها إصلاح الخطأ أول بأول “لا تغرب الشمس على غيظكم” (أف 4: 26) إن مواجهة الخطأ أول بأول أفضل من الهروب منه، أو تأجيله فالخطأ يجلب خطأ، وهكذا تنهار العلاقات.
الصلاة: “صلوا بلا انقطاع” (1تس5: 17). الصلاة سلاح الزوج والزوجة، الأب والأم والأبناء، ليكون كل منهم عضوًا ناجحًا نافعًا في أسرته، فإياك أن تهمل سلاحك أو تتركه. من فضلك تعود أن تصلي كل يوم لأجل نفسك وأسرتك، فلا تكن الصلاة بحياتك مواسم أو مواقف، بل اتجاه دائم، وعادة يومية مقدسة. لا تكتف بأن غيرك من القديسين يصلي من أجلك وأسرتك، بل قم بدورك فأنت المسئول الأول روحيًا عن نفسك، وأسرتك أمام الله، ولك سلطان منه. الصلاة ينبوع القوة المتجدد فتكون كعضو في الأسرة قادر على القيام بدورك:تحب، تعطي، تصغي، تغفر ، تصبر ،تحتمل، لا بقوتك الذاتية بل بقوة الله فيك.
الصلاة ليست تفاوضًا مع الله، بل تجاوبًا مع محبته الفياضة، نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولًا، ولا هي رصًا للكلمات، أو ترديدًا لآيات محفوظة بلا تفكير، بل هي إدراك القلب والعقل لعمل نعمة الله، فتخرج الصلوات واعية معبرة صادقة. الصلاة ليست مُساومةً مع الله، إن أعطيتني أعطيتك، لكنها علاقة ابن بأبيه مفعمة بالود. الصلاة ليست فرضًا يفرض، بل شوقًا ينشأ داخل النفس، إنها حب عميق لله نتيجة ادراكنا لعمل نعمته من أجلنا في المسيح. خضوع لله وطاعة لإرادته ومشيئته الصالحة المرضية الكاملة.
الثقة في إلهنا: “مبارك الله، يوما فيوم يحملنا إله خلاصنا” (مزمور 68: 19). لا تخف من ضغوطات الحياة وتجاربها المتنوعة، بل ثق أن لك إله عظيم يحملك بنعمته المتنوعة، ويهتم بك كل يوم، وكل اليوم، وإلى مدى الأيام والأعوام. يهتم بك شخصيًا ويهتم بأفراد أسرتك كل باسمه. يهتم بأنفسنا وأرواحنا وأجسادنا بكل تفاصيلها. ثق فيه تحيا منتصرًا على الخوف والقلق والارتباك والحزن والاكتئاب السائد هذه الأيام. اقترب منه، تعلق به، فلا مُخلِّص ولا مُنقذ سواه. اتكل عليه لكن دون تواكل، تشدد به لكن دون تكاسل، الق همك عليه، لكن لا تلق مسؤليتك أو تتنصل منها. ثقتك في الله سر نصرتك، فثق فيه ولا تخف، إنه اله جدير بالثقة، لا يخزى أبدا منتظروه.
التمثل بالمسيح: على كل زوجين إن أرادا حياة الانتصار، والاستقرار أن ينظرا إلى المسيح، ويتمثلا به في كل شىء. مكتوب عنه في اشعياء 42: 2-4 “لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يطفيء، لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض…” لم يلجأ للعنف، والصراخ بل كان لطيفًا رقيقًا مع الجميع، مُقنعًا سامعيه بهدوء، رغم ضخامة مسئوليته و رسالته. نعم غضب مرات، لكن في الوقت المناسب. لم يغضب أبدًا في وقت غير مناسب، ولم يخطىء البتة. كان مُشجعًا
باستمرار، وصبورًا رغم قساوة وعناد المحيطين به. يالحبه الفائق وصبره وامهاله. ليتنا نتمثل به فنشجع ونبني لا نهدم أحدنا الآخر، ليتنا نصبر خاصة على من يعانون ضعفًا أو فشلًا ما في الأسرة، لنعطي فرصة بل فرصًا لبعضنا لنتغير للأفضل خاصة الأبناء مهما كان عنادهم. كان مُهدفًا رغم فوضى القادة حوله، حتى يضع الحق في الأرض، هذا هو هدفه أن يشهد للحق ويعلنه ويثبته. لا تستسلم للفوضى، بل ليكن لديك هدفًا واضحًا لحياتك وأسرتك، وتذكر أن:
غياب الهدف = صراع+ دمار+ تشتت+ ضياع الجهد، والعكس صحيح.
إخوتي الأزواج والزوجات نجاح الاسرة مسئولية مشتركة بينكما، لكي تنتصروا انظروا للمسيح، تمثلوا به في كل شىء خاصة محبته، رقته، لطفه، صبره، إمهاله، وداعته، رسالته وأهدافه.