أغصان الكرمة العدد (2) سبتمبر 2020
الفرق بين الظهورات والتجسد: الظهورات واحدة من المواضيع المُثارة اليوم، والتي تكرر تناولها تاريخيًا مرات عديدة، لذا كانت أهمية تناولها بحسب كلمة الله، لكن أولًا يجب أن نفرق تمامًا بين التجسد والظهورات. عبارة تجَسَّد، تعني أخذ جسدًا. أما الظهورات فمعناها أخذ شكلًا ظهر به. وقد أخذ الرب شكل ملاك ظهر به لموسى في العليقة (خر 3: 2، 3) وأخذ أيضًا شكل ملاك ظهر به لمنوح حين بشره بميلاد شمشون (قض 13: 3). وظهر أيضًا على عرشه وحوله السارافيم، كما ظهر لأشعياء (أش 6: 1، 2) وظهر بشكل ابن إنسان كما رآه دانيال (دا 7: 13). وظهر أيضًا لأبينا إبراهيم كإنسان ومعه رجلان عند بلوطات ممرا (تك 18: 2). كذلك ظهر لأبينا يعقوب بهيئة إنسان صارعه حتى الفجر (تك 32: 24، 30).
لكن هذه كلها ظهورات، أما تجسّده من العذراء مريم فهو ناسوت كامل، أخذ كل مراحل الحمل؛ وبعد الولادة أخذ كل مراحل النمو كإنسان (لو 2: 52). وهذا مالم يحدث بالنسبة لظهورات أي من الآباء والأنبياء. وإنما هو شكل ظهر به ثم اختفى. أما كون الشكل له وجه أو يد أو ما إلى ذلك، هذا من لوازم الشكل الذي ظهر به، وأما عن كيف صارع يعقوب، فهذه قوة من الله شعر بها يعقوب، ولكنها ليست تجسدًا. أما من جهة تجسد الله من العذراء، فكان له طبيعة التجسد: ومنها تألمه، وسفك دمه، وموته، وقيامته وصعوده. وأيضًا بعد قيامته رآه تلاميذه، وجسّوه كما في (لو 24: 39)، (يو 20: 27). وهكذا تظهر الطبيعة البشرية كاملة. كما إن هذا الناسوت عاش مع الناس سنوات طويلة، وليس مثل ظهورات كان يبدو فيها أمام الناس لمدة لحظات أو دقائق ثم يختفي ولا يرونه بعد.
كذلك فتجسده من العذراء باقٍ لم يفنَ ولم يزل. وقد قال للص اليمين “اليوم تكون معي في الفردوس” (لو 23: 43). وقال بولس الرسول “لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا” (في 2: 23). وقد رآه يوحنا الحبيب في سفر الرؤيا أكثر من مرة.أما الظهورات فقد انتهت بوقتها، وليست لها استمرارية كالتجسد.
الظهورات فى الكتاب المُقدَّس: “اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ” (إنجيل يوحنا 1: 18). اللاهوت لا يُرى، ولكن الله ظهر في هيئات مرئية، حتى تراه عيوننا المادية، وقد تكلم الله أيضًا مع الأنبياء في مناسبات عدة، ولكنها ليست ظهورات أي عندما يقول الكتاب: “وقال الله” فقط بدون ظهور معين، لا نذكرها هنا -أي لم نضعها في القائمة- مثل صوت ملاك الله (أحد أشكال ظهورات الله في العهد القديم) لإبراهيم في قصة ذبح اسحق: (سفر التكوين 22: 15).. إلخ. والآن تعالوا لنرصد الظهورات في الكتاب المقدس بعهديه:
- ظهور الله لإبراهيم (أبرام): “وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ” (سفر التكوين 12: 7).
- ظهور الله لهاجر على شكل ملاك: “وَقَالَ لَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ نَسْلَكِ فَلاَ يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ»” (سفر التكوين 16: 10).
- ظهور الله لأبرام (إبراهيم) وهو ابن 99 سنة: “وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ” (سفر التكوين 17: 1).
- ظهور الله لإبراهيم عند بلوطات ممرا: “وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ النَّهَارِ” (سفر التكوين 18: 1).
- ظهور الله لإسحق: “وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ وَقَالَ: «لاَ تَنْزِلْ إِلَى مِصْرَ. اسْكُنْ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَقُولُ لَكَ” (سفر التكوين 26: 2).
- ظهور آخر للرب لإسحق: “فَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَقَالَ: «أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ. لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ، وَأُبَارِكُكَ وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ مِنْ أَجْلِ إِبْرَاهِيمَ عَبْدِي»” (سفر التكوين 26: 24).
- ظهور الرب ليعقوب: ظهر في هيئة إنسان في فنيئيل: “وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ” (سفر التكوين 32: 24)، “فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلًا: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَنُجِّيَتْ نَفْسِي»” (سفر التكوين 32: 30). وقد تحدث يعقوب مع ابنه يوسف لاحقًا حول ذلك الأمر وقال: “اللهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ظَهَرَ لِي فِي لُوزَ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَبَارَكَنِي” (سفر التكوين 48: 3).
- ظهور الله ليعقوب مرة أخرى: “وَظَهَرَ اللهُ لِيَعْقُوبَ أَيْضًا حِينَ جَاءَ مِنْ فَدَّانِ أَرَامَ وَبَارَكَهُ” (سفر التكوين 35: 9).
- ظهور الأقنوم الثاني (المسيح) بهيئة ملاك لموسى النبي في العليقة: “وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ” (سفر الخروج 3: 2). وقد تحدث لاحقًا موسى عن هذا الأمر قائلًا: “الرَّبُّ إِلهُ آبَائِكُمْ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ظَهَرَ لِي” (سفر الخروج 3: 16؛ 4: 1؛ 4: 5).
- ظهور الله لبني إسرائيل في شكل السحاب و النار: “وَكَانَ الرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ نَهَارًا فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَهْدِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَلَيْلًا فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ. لِكَيْ يَمْشُوا نَهَارًا وَلَيْلًا” (سفر الخروج 13: 21).
- ظهور مجد الرب في هيئة سحاب أمام موسى وهارون وشعب بني إسرائيل في بريّة سين: “فَحَدَثَ إِذْ كَانَ هَارُونُ يُكَلِّمُ كُلَّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُمُ الْتَفَتُوا نَحْوَ الْبَرِّيَّةِ، وَإِذَا مَجْدُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي السَّحَابِ” (سفر الخروج 16: 10). وقد تحدث سفر المكابيين الثاني عن هذا الأمر كذلك قائلًا: “وَحِينَئِذٍ يُبْرِزُ الرَّبُّ هذِهِ الأَشْيَاءَ، وَيَبْدُو مَجْدُ الرَّبِّ وَالْغَمَامُ كَمَا ظَهَرَ فِي أَيَّامِ مُوسَى” (سفر المكابيين الثاني 2: 8).
- ظهور مجد الله في خيمة الاجتماع: “ثُمَّ ظَهَرَ مَجْدُ الرَّبِّ فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ” (سفر العدد 14: 10).
- ظهور الله لموسى ولأشراف بني إسرائيل: “وَرَأَوْا إِلهَ إِسْرَائِيلَ، وَتَحْتَ رِجْلَيْهِ شِبْهُ صَنْعَةٍ مِنَ الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ الشَّفَّافِ، وَكَذَاتِ السَّمَاءِ فِي النَّقَاوَةِ. وَلكِنَّهُ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى أَشْرَافِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَرَأَوْا اللهَ وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا.” (سفر الخروج 24: 10، 11).
- ظهور الله في هيئة رئيس جند الرب ليشوع: “أَنَا رَئِيسُ جُنْدِ الرَّبِّ. الآنَ أَتَيْتُ». فَسَقَطَ يَشُوعُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ” (سفر يشوع 5: 14).
- ظهور المسيح ابن الله لجدعون في هيئة ملاك: “فَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَالَ لَهُ: «الرَّبُّ مَعَكَ يَا جَبَّارَ الْبَأْسِ» (سفر القضاة 6: 12). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). والدليل على أنه الله قوله: “أَمَا أَرْسَلْتُكَ؟” (سفر القضاة 6: 14)، فالملائكة لا ترسل أحدًا من عندياتها.. وكذلك قول الملاك: “إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ” (سفر القضاة 6: 16).
- ظهور الله في شكل ملاك لمنوح وامرأته: “فَتَرَاءَى مَلاَكُ الرَّبِّ لِلْمَرْأَةِ وَقَالَ لَهَا: «هَا أَنْتِ عَاقِرٌ لَمْ تَلِدِي، وَلكِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا.. فَقَالَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي وَهُوَ عَجِيبٌ؟» (سفر القضاة 13: 15، 18).
- ظهور الله لإشعياء النبي: “فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ، رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَال وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ” (سفر إشعياء 6: 1).
- ظهور ابن الله مع الثلاثة فتية شدرخ، ميشخ، عبدنغو في الأتون: “هَا أَنَا نَاظِرٌ أَرْبَعَةَ رِجَال مَحْلُولِينَ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَسَطِ النَّارِ وَمَا بِهِمْ ضَرَرٌ، وَمَنْظَرُ الرَّابعِ شَبِيهٌ بِابْنِ الآلِهَةِ” (سفر دانيال 3: 25).
- ظهور الله القديم الأيام ابن الإنسان لدانيال النبي: “كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ” (سفر دانيال 7: 13).
- ظهور المسيح في رؤيا لدانيال النبي، مشابهة جدًا لما رآه يوحنا الرائي: “رَفَعْتُ وَنَظَرْتُ فَإِذَا بِرَجُل لاَبِسٍ كَتَّانًا، وَحَقْوَاهُ مُتَنَطِّقَانِ بِذَهَبِ أُوفَازَ” (سفر دانيال 10: 5).
- ظهور الله في سفر حزقيال: “هذَا مَنْظَرُ شِبْهِ مَجْدِ الرَّبِّ. وَلَمَّا رَأَيْتُهُ خَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي، وَسَمِعْتُ صَوْتَ مُتَكَلِّمٍ” (سفر حزقيال 1: 28).
أما ما يخص الظهورات فى العهد الجديد، فقد اختص بها السيد المسيح فقط، وهى كثيرة، ولأشخاص متنوعين؛ وليست مجرد نور أو صور ثابتة، لكنها بنفس الهيئة الجسميّة والملامح وآثار المسامير والحربة، وكان يأكل (سمك مشوى)، ويتحرك، ويتكلم، وشهد التلاميذ كلهم لذلك مدة أربعين يومًا.
****
في الجزء الثاني سنتناول سويًّا أسئلة هامة حول موضوع الظهورات، فإلى لقاءٍ قريب.