أغصان الكرمةالكتاب المقدسدراسات كتابية

سفر يشوع

أغصان الكرمة                                               العدد (2)                                                 سبتمبر 2020

مقدمة عامة: يحتوي كتابنا المقدس على 66 سفرًا في العهدين، العهد القديم 39 سفرًا تحتوي على 929 إصحاحًا، و العهد الجديد 27 سفرًا تحتوي على 260 إصحاحًا، فيكون إجمالي إصحاحات الكتاب المقدس 1189 إصحاحًا، بإجمالي آيات 31302 آية. وتقسم أسفار العهد القديم إلى ثلاثة مجموعات، الكتب التاريخيّة تضم 17 سفرًا، والكتب الشعريّة وتضم 5 أسفار، وكتب الأنبياء وتضم 17 سفرًا.

المجموعة الأولى –التاريخيّة- تنقسم لقسمين، 5 أسفار هي كتب موسى، أو أسفار الشريعة، و12 سفرًا هي استكمال تاريخ شعب بني اسرائيل. ونرى في أسفار موسى الخمسة البدايات، من التاريخ المُبكر للجنس البشري، مرورًا بتاريخ لآباء إبراهيم، وإسحق، ويعقوب، فبداية تاريخ اسرائيل كأمة في مصر، والخروج من مصر، وتلقي الشريعة في سيناء، ثم التيه في البرية 40 سنة، وتنتهي –أسفار موسى- بالشعب على مشارف أرض كنعان شرق الأردن في عربات موآب، وموت موسى.

ثم نرى في الأسفار الإثنى عشر التالية، والتي تبدأ بسفر يشوع وتنتهي بسفر أستير، تسجيلًا لتاريخ الشعب بدخول أرض كنعان في سفر يشوع وامتلاك الأرض وتقسيمها على الأسباط. وفي الأسفار التالية يظهر عصر القضاة، ثم المملكة المتحدة أثناء حكم شاول، وداود، وسليمان، ومن بعدهم انقسام المملكة (931 ق.م) إلى مملكة شمالية (اسرائيل) ومملكة جنوبية (يهوذا)، ثم السبي البابلي عام 586 ق.م للملكة الجنوبية، يليه السبي لمدة 70 سنة، والعودة على يد زربابل عام 536 ق.م في الفوج الأول للعائدين، والعودة الثانية مع عزرا عام 557 ق.م، والثالثة مع نحميا عام 445 ق.م، ويعتبر هذا التاريخ هو آخر ما سجل عن الشعب الأرضي. وتمثل هذه الأسفار التاريخية حقبة زمنية تقدر بنحو 1000 سنة.

والآن، وبعد هذه المقدمة تعالوا بنا نبدأ بسفر يشوع، وهو السفر السادس، يرمز له (يش)، يضم 24 إصحاحًا، و 658 آية، كاتبه هو يشوع بن نون، وزمان أحداثه نحو 1375 ق.م.

عنوان السِفر: سُميّ السفر باسم الشخصية البارزة به وهو يشوع، وهو اسم عبريّ معناه يهوه خلاصي، وهو في الأصل هوشع (عد 13: 18)، ثم دعاه موسى يشوع (عد 13: 16)، وهو خليفة موسى، وابن نون من سبط أفرايم، وقد تسلم قيادة الشعب بناءً على تكليف الرب له (يش 1: 1)، وإعلان موسى: “فَدَعَا مُوسَى يَشُوعَ، وَقَالَ لَهُ أَمَامَ أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ: «تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ، لأَنَّكَ أَنْتَ تَدْخُلُ مَعَ هذَا الشَّعْبِ الأَرْضَ الَّتِي أَقْسَمَ الرَّبُّ لآبَائِهِمْ أَنْ يُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا، وَأَنْتَ تَقْسِمُهَا لَهُمْ.”(تث 31: 7) .

كاتب السِفر: يذكر التلمود اليهودي أن كاتب السفر هو يشوع بن نون، وهذا أيضًا ما أجمع المفسرون عليه. وأمَّا الأحداث التي سجلت بعد موته، فقد كتبها –على الأرجح- فينحاس بن ألعازار رئيس الكهنة (يش 24: 33/24: 26).

تاريخ السِفر: يُغطي السفر فترة زمنية نحو 30سنة من موت موسى، وحتى موت يشوع، في الفترة من 1405 ق.م، وحتى 1375 ق.م.

موضوع السِفر: يُسمى هذا السفر بسفر النُصرة، وتقسيم أرض كنعان، ويتضمن السفر أحداثًا هامة في حياة الشعب القديم، كدخول أرض الموعد، وامتلاكها بحسب أمر الرب، بعد عبور نهر الأردن وتجسس الأرض، ثم احياج المُدن وسقوطها في يدهم، وهزيمة كل الأعداء من الشعوب الكنعانيّة، بالرغم من فشلهم في طرد كل الكنعانيين، الأمر الذي كان بذرة لمتاعبهم المستقبلية. وبعد التقسيم -شرقًا وغربًا- وتعيين مُدن الملجأ، يأتي ختام حياة يشوع بخطابان وداعيان (إصحاح 23، 24).

غرض السِفر: أولاً: تحقيق مواعيد الله التي تمت في إعطاء أرض الموعد لاسرائيل (يش 23: 14): “وَهَا أَنَا الْيَوْمَ ذَاهِبٌ فِي طَرِيقِ الأَرْضِ كُلِّهَا. وَتَعْلَمُونَ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وَكُلِّ أَنْفُسِكُمْ أَنَّهُ لَمْ تَسْقُطْ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْكَلاَمِ الصَّالِحِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَنْكُمُ. الْكُلُّ صَارَ لَكُمْ. لَمْ تَسْقُطْ مِنْهُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ.”.

ثانيًا: إظهار فشل اسرائيل في امتلاك الأرض نتيجة التراخي وعدم الجديَّة (يش 18: 3): “فَقَالَ يَشُوعُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: حَتَّى مَتَى أَنْتُمْ مُتَرَاخُونَ عَنِ الدُّخُولِ لامْتِلاَكِ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاكُمْ إِيَّاهَا الرَّبُّ إِلهُ آبَائِكُمْ؟”.

مِفتاح السِفر: “مُوسَى عَبْدِي قَدْ مَاتَ. فَالآنَ قُمِ اعْبُرْ هذَا الأُرْدُنَّ أَنْتَ وَكُلُّ هذَا الشَّعْبِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنَا مُعْطِيهَا لَهُمْ أَيْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. كُلَّ مَوْضِعٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ لَكُمْ أَعْطَيْتُهُ، كَمَا كَلَّمْتُ مُوسَى”. (يش 1: 2، 3).

أقسام السِفر: ينقسم السِفر إلى أقسام ثلاثة رئيسية، هي:

–     القسم الأول (دخول الأرض وهزيمة الأعداء): من الإصحاح الأول وحتى الإصحاح الثاني عشر.

–     القسم الثاني (تقسيم الميراث [أي: الأرض] على الأسباط): من الإصحاح الثالث عشر وحتى الإصحاح الثاني والعشرين.

–     القسم الثالث (خطابا يشوع الوداعيان): الإصحاحان الثالث والعشرون، والرابع والعشرون.

كلمِات مفتاحيّة: تكررت بالسفر كلمة (يمتلك)/ (إمتلاك) 22مرة، كما تكررت كلمة (ميراث) ومشتقاتها نحو 58 مرة.

إشكاليّةُ السِفر: تعرض هذا السِفر لهجوم وانتقاد من أعداء كلمة الله، مُدعين في أقوالهم أن يشوع بن نون هو أول قائد حربيّ سفاح في التاريخ، حيث قتل، وأهلك، وحرَّم، مُدنًا بأكملها في أرض كنعان، ولم يرحم كبيرًا أو صغيرًا، ونحن نرد على ذلك من كلمة الله نفسها:

1-   إنَّ هذه الحروب التي خاضها شعب الرب بقيادة يشوع بن نون، كان فيها بنو اسرائيل أداة في يد الله لعقاب الشعوب الكنعانيّة، لأنهم توغلوا في الشر (تك 15: 6).

2-   سمح الله بإبادة هذه الشعوب الوثنيّة بعد امتلاء كأس شرهم، واستنفاذ كل الطرق ليعرفوا الله، وحتى لا يكونوا شركًا وفخًا لشعب الله بني اسرائيل (تث 7: 1- 5/ يش 23: 7/ قض 2: 11-3).

3-   إنَّ المبادرة إلى لقتال كانت دائمًا من جانب الشعوب الكنعانيّة. (يش 9: 1-2/ 10: 1-6/ عد 21: 21-35).

4-   كان شعب بني اسرائيل يوجه دعوة للسلم ولكنها كانت تُقابل بالرفض، وإعلان الحرب. (عد 21: 21/ تث 20: 10، 11).

5-   كل ما حدث في هذه الحروب دليلًا على هيمنة الرب على أحداث التاريخ وبسماح منه، وفي إطار إعلان وتعاملات الله المُتدرجة، وطبيعة العصر. وهو ما ذكره صراحة في (يش 11: 20) “لأَنَّهُ كَانَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ أَنْ يُشَدِّدَ قُلُوبَهُمْ حَتَّى يُلاَقُوا إِسْرَائِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ فَيُحَرَّمُوا، فَلاَ تَكُونُ عَلَيْهِمْ رَأْفَةٌ، بَلْ يُبَادُونَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى”..

6-   نرى تأييد الرب في لنُصرة شعبه في هذه الحروب بأعمال مُعجزيّة كما حدث في يوم يشوع الطويل (يش 10) فنرى سُلطان الله على الطبيعة والكواكب (الشمس- القمر- البرد- …) لنُصرة شعبه.

تعاليم روحيَّة:

1-   النجاح يتوقف على طاعة كلمة الله. (يش 1: 8).

2-   أمانة الرب في إتمام مواعيده لنا ولشعبه في القديم (يش 11: 23).

3-   الإيمان يصنع المُعجزات (هلاك غخان بن كرمي وأسرته، ونجاة راحاب وأسرتها).

4-   التراخي وعدم الجديَّة في الحياة الروحيَّة سبب رئيسي في عدم امتلاك كل الأرض.

5-   كان يشوع قائدًا، وقدوة، ومثالًا للأمانة الشخصيَّة في تبعيَّة الرب. (يش 24: 15): “…وَأَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ الرَّبَّ.”؛ فيجب على رب كل بيت أن يكون قدوةً لأهل بيته.

6-   الأعداء الذين لم يبيدوهم كانوا شَرَكًا لهم، وفخًا وشوكًا في أعينهم، كذلك هي كل خطيَّة صغيرة في حياتنا. (يش 23: 13).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى