إجابات أسطورية على فتنة حقيقية
نشر فى : السبت 22 أكتوبر 2011 – 8:55 ص | آخر تحديث : السبت 22 أكتوبر 2011 – 8:55 ص
فى كل مرة تقع حادثة طائفية يخرج علينا عقلاء الأمة من مثقفين وسياسيين وقادة دينيين يجيبون عن السؤال لماذا الفتنة؟ بل ويحللون ويطيلون، وإذا حاولنا أن نجمع هذه التحليلات التى تبدو جادة وعميقة، نجدها عبارة عن مسكنات لا تسمن ولا تغنى من جوع بل تدخل فى باب الأساطير ودعونا نستعرض معا الإجابات الأسطورية على الفتنة الواقعية التى نعيش أحداثها.
الأسطورة الأولى: أسطورة المؤامرة
بمجرد أن تقع حادثة طائفية نجد فكرة المؤامرة الخارجية تزدهر وتصعد إلى سطح الأحداث بصورة واضحة والمتحدث عنها قاطع وجازم، فالذى فعلها «أمريكا وإسرائيل» وفى قول آخر إيران وحزب الله وحماس، بل وأصحاب هذه الأسطورة اليوم يبحثون بجدية عن تنظيم «القاعدة» والتى وهبها الله لهم كمبرر يمكن أن يكون بديلا، وقد تردد ذلك أثناء حادثة كنيسة القديسين بالإسكندرية، فكل هؤلاء يخططون لهدم مصر بالفتنة الطائفية، أما الشعب المصرى فبرىء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، ويتمتع أصحاب فكرة المؤامرة بذكاء شديد، فهم يبحثون فى كل مرة عن تصريح دولة غربية ولا سيما لو كان أمريكيا أو تصريح مسئول إيرانى ويأتى أحدهم على الشاشة مبتسما منتفخ الأوداج قائلا: «ألم أقل لكم أننا نتعرض لمؤامرة» والحقيقة أننا ننسى أن الشعب المصرى الذى تعرض على مدى أكثر من أربعين عاما لخطاب دينى متطرف ومتدنٍ ولتأثيرات الحركة الوهابية ولحركات متطرفة ترعرعت على أيدى أمن الدولة لضرب حركات أخرى، هؤلاء إخوة لنا، يعيشون بيننا ولا شك أنهم هم ركيزة العمل، نحن لا ننكر أن أمريكا وإسرائيل وإيران لا يريدون الخير لمصر، لكن الفتنة لا يمكن أن تخرج بعيدا عنا.
الأسطورة الثانية: أسطورة
أن الشعب كله مضطهد
فلماذا نركز على أقلية بعينها؟! وقد قيل هذا فى ألمانيا وفرنسا وإنجلترا ومازال يتردد عن الأقليات وأصحاب هذا الفكر يقولون: إن هناك فقراء وسود ومسلمين.
فلماذا تركزون فقط على المسلمين، ويقول الخبراء فى مصر، الفقراء فى مصر مضطهدون وكذلك ساكنو العشوائيات، والوظائف العليا تعطى لأصحاب الواسطة والمرأة مضطهدة، والنوبيون والبهائيون، لماذا تركزون على المسيحيين؟ والحقيقة أن المسيحيين يتعرضون للاضطهاد مع كل هؤلاء ولنفس الأسباب بالإضافة أن اضطهادهم سياسى وعقيدى، ولنرجع إلى أدبيات الخطاب الدينى والسياسى المنتشر فى بلادنا وسوف نجد العجب العجاب.
الأسطورة الثالثة: أسطورة
أولوية القضية الفلسطينية
ولقد بدأ هذا فى عهد عبدالناصر، لقد أغفل هو والذين بعده كل القضايا الداخلية وركزوا تماما على القضية الفلسطينية، لدرجة أن صارت هى الأصل وكل قضايا مصر الداخلية تأتى بعدها بكثير، هذا الأمر الذى أتى بالهزائم الواحدة تلو الأخرى والذى جعل الأقليات فى الوطن العربى (مصر، لبنان، سوريا) يزايدون على تمسكهم بالقضية، فإذا كانت القضية هى الأصل وقضايا مصر الداخلية هى الفرع فلماذا لا أتعلق بالقضية لأبدو وطنيا مقداما فيحلون لى مشاكلى؟ وهذه إحدى الأساطير التى دمرت شعوبا عربية كثيرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وحتى اليوم لم تجد حلا.
الأسطورة الرابعة: التفرقة بين المسيحية الشرقية (الأصل) والمسيحية الغربية
فالحديث عن الكنيسة الوطنية والكنيسة غير الوطنية حديث لا معنى له لأنه يعنى أن الوطن هو الدين، فالمسيحيون الشرقيون يقولون نحن بنو تغلب وبنو عدنان، نحن هنا قبل المسلمين وقبل المسيحية الغربية ماذا لو لم يكن المسيحيون من تغلب وعدنان هل كان ما يحدث جائزا؟! وهل المسيحيون العرب الذين اقتنعوا بفكر الإصلاح الدينى نزعت عنهم جنسيتهم العربية ولم يعودوا من سلالة عدنان؟! إن أكثر الأساطير وضوحا فى إضعاف المسيحيين وتقسيمهم إلى ملل ونحل الحديث فى هذا الأمر، بل الثابت إن المسيحية الشرقية أقل تعرضا للإصلاح الدينى بما لا يقاس مع المسيحية الغربية والمطلوب أن يلتفت مسلمو الشرق ومسيحيوها إلى تجربة الإصلاح الدينى الغربى الذى تجاوز ذاته فاستطاع أن يحقق الديمقراطية والحرية ويرتقى ببلدانهم فى كل الاتجاهات.
الأسطورة الخامسة: أسطورة البحث عن المستفيد من الفتنة ومما يحدث للمسيحيين
والجواب طبعا إسرائيل، إن هذه الإجابة رغم صحتها، إلا أن الذى يجرى غير صالح وغير حضارى وغير صحى وغير إنسانى وغير دينى وغير وطنى، والسؤال الذى يقول إبحث عن المستفيد يخفف من هول الكارثة، إنه يحيل القضية إلى السياسة الخارجية والموقف من إسرائيل، إن هذا السؤال لابد وأن يلقى به فى أقرب سلة مهملات، لأن إسرائيل لا تستفيد من الفتنة فقط بل تستفيد من كل مشكلة داخلية فى مصر من أول الاحتجاجات الفئوية إلى المؤتمر الصحفى للمجلس العسكرى الذى يدافع فيه عن نفسه فى الفتنة الطائفية، لذلك لا نحتاج إلى طرح السؤال بقدر ما نحتاج لحل المشكلة.
الأسطورة السادسة: أسطورة أصالة الشعب المصرى بمسيحيية ومسلميه
وبسبب هذه الأصالة لا خوف علينا من «الفتن» والحقيقة تقول: فعلا نحن شعب أصيل وهذه الأصالة واضحة للعيان بين المسلم والمسيحى، لكن أيضا هذا الشعب الأصيل يعيش فى مجتمع يتصدع ويضرب فيه التخلف بأنواعه الدينى والثقافى والاجتماعى، ويتنازع داخليا لأسباب عدة بل هو ضحية بامتياز لخطاب دينى متطرف على كل المستويات ولذلك فمن السهل على مجتمع مثل هذا أن يقع فى شرك الفتنة ولننظر إلى السودان ولبنان وغيرهما.
الأسطورة السابعة: إسطورة «عادى»
وهذه الأسطورة انتشرت بيننا منذ سنوات عندما استخدمها الشباب فى مواجهة أى كارثة، فإذا وقع حادث قطار مات فيه المئات يقولون لك «عادى» وإذا تم تعديل الدستور على مقاس الرئيس أو التوريث يجىء رد الفعل «عادى» وإذا تمت انتخابات مجلس الشعب بتزوير واضح للعيان، عادى، هذا الجو أحاط بنا بقوة قبل الثورة وهى ثقافة من الصعب التخلص منها، فعدم التفاعل المفيد مع ما يثار من من قضايا يعنى أنها وضعت فى خانة «العادى» والخوف كل الخوف أن تكرار الحوادث الطائفية مع الإجابات الأسطورية دون مواجهة حقيقية وعلاج حقيقى وناجح ومن الجذور أن تصبح الفتنة الطائفية فى مصر «عادى».