فوضانا: هل هى خلَّاقة؟
نشر فى : الخميس 3 مارس 2011 – 9:59 ص | آخر تحديث : الخميس 3 مارس 2011 – 9:59 ص
لا شك أن الحالة التى تعيشها مصر هذه الأيام هى نوع من الفوضى، وهذا ليس غريبا لأننا فى مرحلة انتقالية بعد نظام سقط بعد أن كان مسيطرا على البلاد من أقصاها إلى أقصاها بشكل محكم وقبضة حديدية فقد كان نظاما بوليسيا عسكريا، وفى السنوات العشر الأخيرة تحول إلى نظام قبلى أسرى، وعندما يتوافر فى حكم البلاد هذان النظامان يقع الفساد الشامل والنهب والسلب والنفاق والتزلف.. إلخ، وفجأة قامت ثورة الشباب فانتقلت البلاد من مثل هذا النظام إلى حرية مطلقة حيث تدار البلاد مباشرة من ميدان التحرير خلال مظاهرات مليونية كل أسبوع، صحيح أن لدينا مجلسا عسكريا أعلى يحكم البلاد، وأيضا حكومة تسيير أعمال، ولدينا جهاز شرطة، لكن من الواضح أن «مفاصل البلاد سابت» بحسب التعبير الشعبى الشائع، فالشرطة فقدت هيبتها، ووقعت عدة حوادث اعتداء على ضباط الشرطة، وقام أفراد من الشرطة بالاعتداء على مواطنين وإحراق سيارات، والمجلس العسكرى يبدو انه غير راغب فى ضبط البلاد بطريقة النظام السابق، وهكذا انتشرت شائعات تحمل علامات استفهام مثل: لماذا طارق البشرى رئيسا للجنة تعديل الدستور والذى صرح بأن المواد الأولى فى الدستور من ثوابت الأمة ومن المستحيل تغييرها؟، فهل هذا ينم عن تيار فى داخل المجلس العسكرى؟! وإذا لم يكن كذلك، هل هو تيار فى داخل الجيش؟! ولماذا لم يتدخل الجيش لإعطاء الفرصة لوائل غنيم أحد مفجرى الثورة للحديث بعد الشيخ القرضاوى فى احد أيام الجمع؟! هذا فضلا عن الثورات التى قامت فى المصانع والشركات ضد الرؤساء والمديرين، وعمليات الانتقام التى قام بها من كانوا يحسبون صغارا ضد كبارهم من العهد السابق، كل هذه الفوضى تجعلنا نتساءل هل سوف تسفر هذه الفوضى عن نتيجة رائعة للبلد أى فوضى خلاقة على حد قول كوندوليزا رايس، أى نظام ديمقراطى ليبرالى.. إلخ أم العكس؟
إن الشعب المصرى يتخوف من حدوث أكثر من سيناريو، الأول أن يكون الحاكم العسكرى يحلم بحكم مصر ويخطط له بمعنى أن يترك الفوضى تستشرى فى كل أركان مصر، ويحس الناس بعدم الأمان وهو الاحتياج الأساسى للبشر مع الغذاء، فالإحساس بالأمن والغذاء يأتيان قبل الحرية والكرامة، وهكذا وبسبب الفوضى وعدم الأمان يأتى الوقت الذى يصرخ فيه الشعب طالبا متوسلا من المجلس العسكرى أن يقبل حكمه فتنضبط الأمور، وهكذا يقوم المجلس العسكرى بحكم مصر بناء على ضغط الجماهير عليه متجاوبا مع نداءاتهم ويعود الحكم العسكرى ثانية إلى مصر فتحدث نكسة فى الثورة.
أما السيناريو الثانى المطروح فهو أن يقفز الإخوان على ثورة الشباب، وهذا واضح من محاولاتهم المتعددة فى هذا الشأن حيث هناك شائعات بأن الشيخ القرضاوى جاء إلى مصر ليتوسط بين الإخوان والجماعة السلفية من جهة، وليحدث تنسيق بين الأزهر والإخوان من جهة أخرى، هذا فضلا عن عودة عمرو خالد من الخارج واستقراره فى مصر وقيامه ببعض الأنشطة مع الشباب فى طول البلاد وعرضها، كذلك ظهور حزب الحرية والعدالة والذى أسسه الإخوان المسلمون، ولقد صرح وكيل الحزب بأن الحزب سوف يتمسك بمبادئ الشريعة الإسلامية، أما تطبيق الشريعة فنحن غير مستعجلين عليه الآن.
أما السيناريو الثالث فهو أن يسلم المجلس العسكرى مصر مهيأة لحاكم مدنى يحدد الدستور طريقة انتخابه لأربع سنوات تجدد مرة واحدة فقط ومعه برلمان منتخب انتخابا حرا نزيها، وسوف يقوم الحوار حول هل يكون ذلك النظام رئاسيا أى يعطى الرئيس كل صلاحيات السلطة التنفيذية ولا يوجد رئيس وزراء والذى يقوم بعمله الرئيس وهو النظام المطبق فى أمريكا وفرنسا أو يكون جمهوريا برلمانيا، فالحزب الذى يحصل على أغلبية برلمانية يكون الوزارة ويختار منه الرئيس أما السلطة التنفيذية فتكون فى يد رئيس الوزراء، وتكون سلطة الرئيس شكلية بروتوكولية، ويحاسب البرلمان رئيس الوزراء وهو النظام المتبع فى إنجلترا وإسرائيل.
بالطبع سيناريو الديمقراطية الليبرالية هو أروع سيناريو وذلك لأنه النظام الذى اتفق عليه المجتمع الدولى بعد اختباره كل الأنظمة الأخرى على مدى التاريخ سواء النظام الشمولى أو النظام الدينى وثبت فى النهاية انه اقل الأنظمة ضررا وأكثرها نفعا ولذلك توافق العالم على النظام الديمقراطى الليبرالى، لكن هنا تبرز عقبة كأداء وهى أن الشعوب التى وصلت إلى النظام الديمقراطى الليبرالى مرت تاريخيا بنظام أو اثنين من الأنظمة التى فشلت فى أن تستمر أمام مبادئ حقوق الإنسان وتطلعات البشر فمثلا روسيا مرت بمرحلة حكم القيصر ثم تحولت إلى النظام الماركسى الشمولى والذى شمل كل أوروبا الشرقية وعندما انهار الاتحاد السوفييتى انهارت كل الأنظمة الشمولية من تشيكوسلوفاكيا إلى يوغسلافيا إلى بولندا، وانهار سور برلين وتوحدت ألمانيا وكل هذه الدول عانت معاناة مريعة تحت النظام الشمولى لأكثر من نصف قرن وبعدها خرجت إلى الحرية والديمقراطية أما ألمانيا فقد عانت من النازية على يد هتلر ثم تحولت إلى الديمقراطية وهكذا حدث مع إنجلترا حيث تحولت من الحكم الملكى إلى الديمقراطى، أما الدول الإسلامية فقد عانت تحت نظام الخلافة الإسلامية من الحكم الدينى الشمولى لمئات السنين، فقد كان الخليفة هو ظل الله فى الأرض كما كان البابا فى أوروبا قبل عصر الإصلاح، وعندما انهار نظام الخلافة العثمانية عام 1926 بثورة كمال أتاتورك، تحولت البلاد التى استقلت إلى النظام الجمهورى الشمولى فى مصر وسوريا والعراق..إلخ، ولأن الانهيار بدأ لهذه الأنظمة، توقعنا أن تتحول إلى الديمقراطية الليبرالية، ولقد تحولت إيران من حكم الشاه إلى الحكم الدينى، والآن هناك إرهاصات لثورة تصحيح ضد النظام الفاسد، لكن السؤال الذى يقلقنى ويقض مضجعى هو: هل لابد أن تجتاز كل الدول فى كل هذه المراحل لتصل إلى الديمقراطية الليبرالية؟
إن ما حدث فى أمريكا أن المهاجرين الأوربيين الذين هاجروا بإصلاحهم إلى الجانب الآخر من المحيط أسسوا دولتهم على الديمقراطية الليبرالية، وهذا يعنى أنهم استفادوا من خبراتهم فى أوروبا ومن خبرات الشعوب الأخرى فأسسوا دولة عظيمة من خلالها أحرقوا كل المراحل التى مرت بها الدول الأخرى، والسؤال الآن لمصر، فمصر عبرت من نظام ملكى ليبرالى إلى نظام شمولى والنظام الوحيد الذى لم تجتز فيه مصر هو النظام الدينى وصولا للديمقراطية الليبرالية فهل تستطيع مصر أن تتجاوز الحكم الدينى؟ هل تحرق مصر هذه المرحلة لتقفز مباشرة من الشمولى إلى الديمقراطى وتوفر على الأجيال القادمة معاناة عشرين أو ثلاثين عاما قادمة على الأقل؟ وهل يحتاج هذا إلى وعى جماهيرى ضخم؟ لأن الديمقراطية الليبرالية تبنى على الوعى الجماهيرى، فهل لدى جماهير مصر هذا الوعى؟ وإذا لم يكن فهل يمكن فى هذه الفترة الانتقالية الحالية أن تقوم أجهزة ثقافية وسياسية وإعلامية بتوعية الجماهير والشباب لتتجاوز مصر مرحلة الحكم الدينى فى حياة الشعوب إلى الديمقراطية الليبرالية، عزيزى القارئ. هذا هو السؤال الأساسى؟! وهذا هو تحدى المرحلة وإذا اجبنا عليه بالإيجاب ستكون فوضانا خلاقة وإلا فلا.