التأمل اليومي

لقاء عند المذود (1)

أُتابع رحلتي التي حملتني أجنحة التأمل فيها، وطارت بي إلى بيت لحم… وهناك عند المذود وقفت … وقبل أن تقع عيناي على الوليد العجيب، التقيت هناك بمجموعة من الناس والشخصيات …

لقد التقيت الرعاة قبلًا، وها أنا عند المزود ألتقي حكماء الشرق “المجوس”، كانت ملابسهم المزركشة، الزاهية الألوان، الغريبة الشكل، تدل على أنهم غرباء … وكان مظهرهم يدل على النبل والحكمة والمعرفة … لكن علامات التعب والارهاق كانت تبدو عليهم بوضوح … نعم .. لقد سافروا زهاء السنتين لكي يصلوا إلى ذلك المكان … سنتين!!  نعم ” سنتان …”

وكيف؟ على الدواب، وسط القفار والجبال والرمل والأخطار … يا لها من رحلة شاقة مكلفة …

لقد كنت أظن أن ما قدموه للوليد من هدايا: ذهبا ولبانا ومرا كان شيئا ثمينا غاليا … وحقا كان كذلك … لكن كان أغلى منه المجهود والمشاق والنفقات التي تكبدوها في تلك الرحلة العجيبة، من بلاد الشرق الغامضة، إلى بيت لحم …

بل إنهم سيسافرون نحو هذا القدر من الزمان لكي يعودوا إلى بلادهم …

ولماذا كل هذا العناء؟

ذلك لأن نجما مضيئا لامعا ظهر لهم، يبشر بمولد ملك عظيم …

فامتلأت قلوبهم رغبة أن يروا هذا الملك، فسافروا مسترشدين بالنجم لكي ينالوا رغبة قلوبهم …

وما كان أسعدهم عندما رأوا وليد بيت لحم وفتحوا له كنوزهم، وقدموا له هداياهم …

لقد زال عنهم عناء الرحلة الشاقة، وهم يسجدون أمام وليد بيت لحم …

ذلك أنهم بعد عناء وجهد، وصلوا إلى بغيتهم …

وهنا رأيت نوعًا آخر من السعادة … سعادة تحقيق الأمل بعد طول جهاد، سعادة الوصول إلى الهدف بعد مشقة السعي، وطول الانتظار … وهنا أدركت سر شقاء كثيرين من الناس …

إنهم يرغبون … لكنهم لا يعملون … قلوبهم مليئة بالأمل … لكن حياتهم تفتقر إلى العمل … الرغبة تملأ نفوسهم … لكن ليس لديهم صبر ليصلوا إلى تحقيق الرغبة، ولا مثابرة لينالوا النجاح …

فالنجاح ليس هدية يهديها إلينا الحظ، ولا هو كنز تلقيه لنا السماء، لكن النجاح جائزة المجتهدين، ومكافأة العاملين الصابرين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى