أُتابع رحلتي التي حملتني أجنحة التأمل فيها، وطارت بي إلى بيت لحم… وهناك عند المذود وقفت … وقبل أن تقع عيناي على الوليد العجيب، التقيت هناك بمجموعة من الناس والشخصيات …
لقد التقيت الرعاة قبلًا، وها أنا عند المزود ألتقي حكماء الشرق “المجوس”، كانت ملابسهم المزركشة، الزاهية الألوان، الغريبة الشكل، تدل على أنهم غرباء … وكان مظهرهم يدل على النبل والحكمة والمعرفة … لكن علامات التعب والارهاق كانت تبدو عليهم بوضوح … نعم .. لقد سافروا زهاء السنتين لكي يصلوا إلى ذلك المكان … سنتين!! نعم ” سنتان …”
وكيف؟ على الدواب، وسط القفار والجبال والرمل والأخطار … يا لها من رحلة شاقة مكلفة …
لقد كنت أظن أن ما قدموه للوليد من هدايا: ذهبا ولبانا ومرا كان شيئا ثمينا غاليا … وحقا كان كذلك … لكن كان أغلى منه المجهود والمشاق والنفقات التي تكبدوها في تلك الرحلة العجيبة، من بلاد الشرق الغامضة، إلى بيت لحم …
بل إنهم سيسافرون نحو هذا القدر من الزمان لكي يعودوا إلى بلادهم …
ولماذا كل هذا العناء؟
ذلك لأن نجما مضيئا لامعا ظهر لهم، يبشر بمولد ملك عظيم …
فامتلأت قلوبهم رغبة أن يروا هذا الملك، فسافروا مسترشدين بالنجم لكي ينالوا رغبة قلوبهم …
وما كان أسعدهم عندما رأوا وليد بيت لحم وفتحوا له كنوزهم، وقدموا له هداياهم …
لقد زال عنهم عناء الرحلة الشاقة، وهم يسجدون أمام وليد بيت لحم …
ذلك أنهم بعد عناء وجهد، وصلوا إلى بغيتهم …
وهنا رأيت نوعًا آخر من السعادة … سعادة تحقيق الأمل بعد طول جهاد، سعادة الوصول إلى الهدف بعد مشقة السعي، وطول الانتظار … وهنا أدركت سر شقاء كثيرين من الناس …
إنهم يرغبون … لكنهم لا يعملون … قلوبهم مليئة بالأمل … لكن حياتهم تفتقر إلى العمل … الرغبة تملأ نفوسهم … لكن ليس لديهم صبر ليصلوا إلى تحقيق الرغبة، ولا مثابرة لينالوا النجاح …
فالنجاح ليس هدية يهديها إلينا الحظ، ولا هو كنز تلقيه لنا السماء، لكن النجاح جائزة المجتهدين، ومكافأة العاملين الصابرين.