حملتني أجنحة التأمل، وطارت بي إلى بيت لحم، وهناك عند المذود وقفت، وقبل أن تقع عيناي على الوليد العجيب، التقيت هناك بمجموعة من الناس والشخصيات.
لقد كان هناك الرعاة، بملابسهم التي تفوح منها رائحة التراب والعرق، وكانوا يتحدثون بانبهار ودهشة عن رؤيا الملائكة وأنشودة جوقة الترنيم السماوية “المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة”، كانوا مندهشين لرؤية الملائكة.
لكن دهشتهم كانت أكثر، لأن الملائكة ظهرت لهم هم، نعم، فقد كانوا من أفقر الناس، يسير الواحد منهم في الشارع فلا يعبأ به إنسان، إن مجرد تحية يوجهها إليهم شخص من أثرياء القوم كانت تعتبر حدثا عظيما في حياتهم، وإذا حدث أن سمحت الظروف لواحد منهم أن يلتقي بعظيم أو بواحد من الحكام، فإن ذلك اليوم يصير يومًا مشهودًا في حياتهم يتحدثون به وعنه أعوامًا بل أجيالًا.
أما الآن فقد رأوا الملائكة، لا، بل أن الملائكة ظهرت لهم هم، هم وحدهم دون سائر الناس، وتحدثت الملائكة إليهم، وأنشدت تسابيحها في آذانهم، وحدثتهم عن مخلص، هو المسيح الرب.
وأين يجدون هذا المخلص؟ يا للعجب! في مذود يجدونه، في مذود؟ نعم، مذود، إنهم يعرفون معنى المذود، لأنهم رعاة، يرون المذود كل يوم، تأكل فيه صغار أغنامهم، وتستريح عنده البهائم، إنه مكان مألوف لديهم، وهناك سيجدون المخلص، المسيح الرب.
يا لغرابة هذا الخبر، لكنه صحيح، وها هم الآن يرون بعيونهم الطفل المقمط المضجع في المذود.
إذا فالله رضى أن يتحدث إليهم، وأن يجعل مسيحه قريبًا منهم، في أكثر الأماكن ألفة لهم.
ولقد شعرت بمقدار البهجة التي غمرت قلوب الرعاة، وهم يشعرون لأول مرة بأنّ الله قريب جدًا منهم، بصورة لم يكونوا يدركونها من قبل.
ويا لها من سعادة تغمر النفس والحياة، أن تشعر بقرب الله منك، كما شعر هؤلاء الرعاة.
وهناك عند المذود أدركت سر شقاء كثيرين من الناس، إنهم يحسون ببعد الله عنهم، يبحثون عنه في مجلدات من الكتب، أو في حوار فلسفي، أو في جدل منطقي، أو في تأمل صوفي.
بينما هو أقرب إليهم مما يتصورون، هو في نسمة الهواء التي يتنفسونها كل صباح، وفي بسمة الشمس عند شروقها، وفي لقمة الخبز التي يأكلونها، وفي نبضة القلوب الساكنة بين صدورهم.
إنه يلتقي بهم وهم لا يدرون. وعندما يتبين الإنسان حقيقة قرب الله منه، يشعر بالسعادة الغامرة.