الاتجاه الجديد لرسالة المسيحية يجعلها ثورة، كما أن المضمون الغني لرسالة المسيحية يجعلها ثروة، لقد كان للكتبة والفريسيين بر، هو بر طاعة الناموس، أو بر الأعمال، لكن السيد المسيح يطلب من المؤمنين به ان يكون لهم بر من نوع آخر، لأنه فسر الناموس تفسيرًا ثوريًا، بل إن المسيح لا يطلب من المؤمنين مجرد الثورية في فهم الناموس وتطبيقه، لكنه يريد منهم عمق الطاعة وتكريس الحياة بصورة تزيد عن طاعة الكتبة والفريسيين.
فمطالب المسيح ثورة وثروة وتعاليمه ثورية وثرية.
أمَّا عن ثورية المبادئ المسيحية، فمن الضروري أن أوضح أن كلمة “ثورة” لا تعنى العنف أو التطرف في التفكير وفي السياسة الثورة شيء والانقلاب شيء آخر، فالثورة معناها تغيير جذري في الفهم والاتجاه، انها نوع من الخروج على الجمود المألوف والرتابة المملة التي تقود الى الشكلية والبيروقراطية هذا هو المعنى الحقيقي للثورة، وتعاليم المسيح كانت ثورية لأنها عبرت تعبيرًا جديدًا غير مألوف عن الناموس الإلهي، بصورة انبهر منها الكثيرون ممن سمعوها، لذلك نقرأ في مناسبات كثيرة أن الناس “فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ، وقد “َتَحَيَّرُوا كُلُّهُمْ حَتَّى سَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ: «مَا هَذَا؟ مَا هُوَ هَذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ؟” (مرقس 1: 22، 27)
لقد كانت المبادئ المسيحية ثورةً في فهم الناموس الإلهي، لقد كان المألوف عند اليهود، وربما لا يزال مألوفا عند كثيرين من المسيحيين حتى في عصرنا الحاضر أن الحياة الاخلاقية وطاعة ناموس الله ترتبط ارتباطا وثيقًا بمجموعة من القواعد والتشريعات والأوامر والنواهي على الانسان أن يطيعها حرفيًا ثم يستريح، بل ويفتخر بطاعته أمام الله، أمَّا المسيح فقد أعاد تفسير الناموس وفسره تفسيرا ثوريًا، لقد عمق معاني تعاليم الناموس وجعلها تتعدى الأفعال الظاهرة وتصل إلى النيات والرغبات والعواطف الداخلية، فجعل الشهوة والغضب يتساويان مع الزنا والقتل…
كما كانت ثورة في فهم معنى العظمة الحقيقية، كان –ولا زال- مفهوم العظمة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقوة والسيطرة، فقد كان العظيم هو الذي يستطيع أن يسيطر على أكبر عدد من الناس ويسود عليهم ويستعبدهم ويسخرهم لخدمته، وجاء السيد المسيح بمفهوم جديد للعظمة، فقد كان هو نفسه مثالًا حيًا للعظمة، كان في صورة الله لكنه أخلى نفسه ليخلص الخطاة، هو ملك الملوك لكنه رضى ان يكون بين الناس في صورة الخادم الوديع، وهكذا غيرت المسيحية المفاهيم هذا التغيير الثوري، فأصبح المعطى أكثر سعادة من المتلقي، والغافر المسامح أكثر قوةً من المنتقم، هذه عينة من ثورية المبادئ المسيحية.