أراء فكريةقضايا وأراء

امتحان صعـب وإجابات تحتاج إلى تأمـل

امتحان صعـب وإجابات تحتاج إلى تأمـل

إكرام لمعي

نشر فى : الخميس 20 يناير 2011 – 9:45 ص | آخر تحديث : الخميس 20 يناير 2011 – 9:45 ص

 عندما يكون الامتحان صعبا يحتاج إلى إجابات ناجزة وواضحة وهنا يرتفع الممتحن إلى مستوى وقيمة الامتحان، لكن القول إن الامتحان صعب هو قول نسبى.
 
 
فبعض التلاميذ النجباء الذين استذكروا دروسهم جيدا يستطيعون تقدير مدى صعوبة الامتحان ورغم قدرتهم على تقديم الإجابات الصحيحة إلا أنهم يقولون إن الامتحان ليس سهلا، لكن أولئك الذين لم يستذكروا دروسهم جيدا فعند قراءتهم الأسئلة ينقسمون إلى فئتين الأولى تترك ورقة الإجابة فارغة وتلتزم الصمت، أما تلاميذ الفئة الأخرى فيقرأون الأسئلة فيرونها ــ بحسب ظاهر نصها ــ سهلة جدا، فيجيبون بسرعة عجيبة وتجدهم من أوائل الذين يخرجون من لجنة الامتحان متهللين. وعندما يسألهم أحد الأساتذة يصرحون أن «الامتحان سهل جدا وقد أجبنا عليه»، وهنا يبتسم الأستاذ فى خبث لأنه يعلم أن أسئلة الامتحان تحتاج على الأقل ساعتين أو ثلاث للإجابة فى حالة فهم التلميذ للامتحان جيدا ويتأكد أن هؤلاء التلاميذ من الفاشلين.. هذا ما حدث بالضبط فى امتحان تفجير كنيسة الإسكندرية، فهناك من ترك ورقة الإجابة فارغة والتزم الصمت لأنه لم يذاكر جيدا، ولأنه لم يدّع المعرفة حاز بعض الاحترام، وهناك من أجاب إجابات صحيحة وهؤلاء قلة نادرة.
 
 
أما الغالبية العظمى سواء من المسئولين أو المثقفين أو الإعلاميين أو الذين ينتمون إلى المؤسسات الدينية جاءت إجاباتهم متدنية ومثيرة للشفقة.
 
 
تعالوا بنا نقرأ إجابات الذين خرجوا من اللجنة بعد نصف الساعة من امتحان تحتاج إجابته إلى ثلاث ساعات كاملة:
 
 
قال البعض إنها مؤامرة عالمية على مصر وإن مصر مستهدفة، وإن أمريكا وإسرائيل وإيران وحزب الله وبعض الدول العربية تتآمر لتدمير مصر ولإثارة الفتنة الطائفية بها، ولم يقولوا لنا لماذا هى مستهدفة؟ وقصة المؤامرة والاستهداف هذه قصص قديمة لم يعد لها معنى فى عصرنا الحالى، ليس لأنه لا توجد مؤامرات، ولكن لأن الذى فشل فى فهم المؤامرة التى حيكت له، وترك الناس ينجحون فى التآمر عليه، ليس مرة بل عشر مرات فى تاريخه القريب، عليه أن يخجل من نفسه ولا يردد مثل هذه الكلمات.
 
 
لقد قالوا لنا إن حرب 1956 مؤامرة، وحرب اليمن مؤامرة لتوريط مصر وكذلك الكونغو والجزائر، وأيضا حرب 1967 مؤامرة لإسقاط الحكم، وحرب 1973 متفق عليها لتحريك الجبهة تمهيدا لزيارة السادات ومعاهدة السلام مع إسرائيل… إلخ.
 
 
إذا أين العيب؟ هل فى الذى تآمر وفى هذا مصلحته أم فى الذى ابتلع الطعم فى كل مرة؟ نحن نردد أن المؤمن (الذكى) لا يلدغ من جحر مرتين، لذلك كانت هذه الإجابة متعجلة وضعيفة والنتيجة صفر.
 
 
كانت إجابات البعض الآخر أن أقباط المهجر هم الذين خططوا وساهموا فى هذا التفجير للكنيسة ليدفعوا الأمريكان لغزو مصر ولا يستطيع احد أن يقدر هذا الذكاء المفرط والتحليل الاستراتيجى المتميز. ولقد ذكرنى ذكاء هؤلاء المحللين بذكاء بعض قيادات الأمن، ففى إحدى المرات تعجبت بسبب القبض على بعض الشباب المسيحى فى بلدتنا فى الصعيد بتهمة التبشير، وهم شباب أعرف جيدا أنه لا علاقة لهم بالموضوع، وعندما سألت أحد الضباط فى القاهرة قال بالتأكيد أن يكون قد تم القبض قبلا على بعض العناصر من الجماعات الإسلامية، لكن حتى لا يثار الرأى العام كان لا بد أن يتم القبض على بعض الشباب المسيحى لإحداث التوازن. وبنفس طريقة التفكير أراد المحلل السياسى الفذ أن يقدم نوعا من التوازن الفكرى، وفى هذا أيضا جاءت النتيجة صفرا.
 
 
أما البعض الثالث فقد فكر بعمق شديد ثم خرج بنتيجة أن الحادث إرهابى وليس طائفيا أى أنه رأى فى الحدث إرهابا ولم ير فيه طائفية والحقيقة أن الذين قالوا ذلك لم يقولوا لنا على أى أساس صنفوا العمل؟ ولقد تكرر نفس السيناريو ومناقشته فى حادث نجع حمادى، والعجيب أن من قام بالقتل فى الحادثين كان يستهدف المسيحيين، فالاثنان هاجما شعبا مسيحيا خارجا لتوه من الكنيسة، وإذا قلنا إنه إرهابى وليس طائفيا هل هذا سيقلل أثر الحادث على الوطن والمواطن؟! النتيجة إذًا صفر.
 
 
وقال البعض الرابع إنه لا توجد فتنة طائفية فى مصر وشعب مصر شعب متسامح ومسالم، شعب واحد، وإذا كان هناك بعض المتعصبين فهم من الطبقة الدنيا الجهلاء.
 
 
أما الساسة الذين يحملون مسئولية البلاد فمن المستحيل أن يكونوا متعصبين.. فيحكى لنا الأستاذ أيمن الصياد فى جريدة «الشروق» الجمعة 14 يناير عن د. رءوف عباس حامد أستاذ التاريخ، عن واقعة جرت فى نوفمبر 1978 حين تلقّى مكالمة هاتفية من رئاسة الجمهورية بأنه مكلف بحضور اجتماع له سرية خاصة وكان الاجتماع لعدد مختار من أساتذة الكليات، وكان على رأس الاجتماع الرئيس الراحل أنور السادات وعلى يمينه كان يجلس نائب الرئيس محمد حسنى مبارك وعلى يساره رجل تلك الأيام عثمان احمد عثمان ثم منصور حسن وزير الثقافة، وكان الهدف من الاجتماع تنظيم دورات ثقافية لشباب يتم اختيارهم «بعيدا عن أولئك الذين أفسدت عقولهم منظمة الشباب وأفكارها الشيوعية» وكانت المهمة التى أسندت للدكتور رءوف أن يختار من يعاونه فى تدريس تاريخ مصر لمن يجرى اختيارهم من الشباب، وعندما طرح الدكتور رءوف الأسماء حدث اعتراض على أسماء أشخاص هم الأفضل فى تخصصهم، يونان لبيب رزق وإسحق عبيد وكان سبب الاعتراض ديانتهما!! وعندما قرأت هذا المقال تذكرت أن واحدا من الذين كانوا فى الجلسة حينئذ كان يعمل تحت إمارته فى الجيش لواء مسيحى وقد حكى لى ولغيرى قائلا إن رئيسه فى العمل لم يكن يناديه إطلاقا لا باللواء ولا باسمه مجردا لكنه كان يناديه بـ(يا خواجة) وكأنه أجنبى عن مصر بما فى ذلك اللقب من سخرية!! وبعد كل ذلك يقولون لنا إن التعصب فى المستويات الدنيا، والنتيجة هنا أيضا صفر.
 
 
أما البعض الأخير فقد استطاع أن يحصل على الدرجة النهائية فى الامتحان وذلك عندما أجاب بالقول ليس المهم تحديد الحادثة هل هى إرهابية أم طائفية.. هل هى مؤامرة خارجية أم داخلية، ولا يجب أن نتوقف عند التعليقات الخارجية فى هذا الشأن وليس على السياسيين والإعلاميين وقيادات المؤسسات الدينية أن يحولوا الحدث إلى جبر للخواطر ومشاركة نفسية، فهذه الأمور لم تعد تجدى لأنها تكررت بصورة مملة فى كل الحوادث وإن كانت مهمة، لكن الأهم من كل ذلك أن هذا الحادث هو حادث إرهابى موجه نحو الدولة من خلال نقطة ضعف أو جرح فى كيان الأمة ينزف من عشرات السنين دون أن يحرك المسئولون ساكنا، بل أنهم اختصروه فى مطالب الأقباط بينما الجرح أكبر من ذلك بكثير، والأقباط ــ حسب رأيى ــ ليس لهم مطالب، وليس عليهم أن يقدموا طلباتهم بمعزل عن باقى أفراد الأمة، ولكن مطالب الأمة التى نتفق عليها جميعا كمطالب للمصريين بلا تحديد لهويتهم الدينية أو الثقافية أو الجنسية هى ببساطة تطبيق المجتمع المدنى بكل أبعاده، والمادة الأولى من الدستور والتى تتحدث عن المواطنة تحتاج أن تفسر بعدة قوانين أهمها قانون عدم التمييز على أساس العرق أو الدين أو الثقافة أو الجنس أو الثروة.
 
 
فهناك خطاب دينى تمييزى إسلامى ومسيحى، وفضائيات تهاجم الآخر الدينى وتكفره، وهناك مدارس وجامعات وإعلام وكنائس ومساجد تؤصل الفتنة الطائفية.
 
إن المواطنة الصحيحة تعتمد على الديمقراطية الصحيحة وعلى دولة مدنية وليست دينية، دولة علمانية بالمعنى الايجابى أى تقبل جميع الأديان والأطياف والملل والنحل بلا تمييز بينها. هذه طلبات الشعب المصرى فى غالبيته العظمى ليستطيع أن يعيش فى سلام وليس طلبات فئة منه مهما كانت… فهؤلاء قال لهم الأستاذ برافو الإجابة صحيحة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى