قوانين الإيمان

إقرار الإيمان السويسري الثاني 1566م

إقرارالإيمان السويسري الثاني 1566م

لمحة تاريخية

 يختلف هذا الاعتراف عن كل الاعترافات الأخرى في كونه كتب بمبادرة شخصية من أحد آباء الإصلاح الإنجيلي هو هينريخ بولينغر 1504-1575م،   H. Bullingerقام بولينغر بصياغة هذا الأعتراف الإيماني في سنة 1561م. وكان هدفه ان يُحفظ مع وصيته ليتلى بعد وفاته في زوريخ، المدينة التي عمل فيها خادما للإنجيل منذ 1531 من أي منذ وفاة المصلح زوينغلي. وكان لبولينغر تأثير كبير على الحركة الإصلاحية لأنه عايش ثلاثة أجيال من المصلحين. وقد لخص في هذا الاعتراف المبادئ الأساسية للإصلاح الإنجيلي. ولكن هذا الاعتراف ما كان لينشر لولا حصول أزمة في ألمانيا حتمت ذلك. فقد أراد مستشار حاكم مقاطعة البلاتينات، فريدرك الثالث، ان يرد على الانتقادات العنيفة التي كان اللوثريون في ألمانيا يوجهونها إلى الكنائس المصلحة بوثيقة عقائدية مصلحة شاملة وقوية. فأرسل إليه بولينغر هذا الاعتراف في 1566م ونشر في السنة ذاتها بعد ان قبل سريعا هناك ثم قبل في الكانتونات السويسرية ثم في فرنسا واسكتلندا وبولندا والمجر والنمسا. ولهذا الاعتراف سلطة عليا في الكنائس المصلحة ليس لامتيازه وعظمته فقط بل أيضا بسبب القبول الواسع الذي حظي به في الكنائس الأوروبية المصلحة. ويدعى “اعتراف الإيمان السويسري الثاني” لأنه ثمة اعتراف سويسري أول وضع سنة 1563م وكان لبولينغز يد فيه. وقد أريد به اعترافا موحدا لكل سويسرا لكنه لم يلق الرواج ولا النجاح الذي لقيه الاعتراف الثاني. قيل عن هذا الاعتراف انه يجمع بين لاهوت كالفن وحرارة لوثر وشمولية ملانكثون.

اعتراف الإيمان الهلفيتي الثاني1566م

 الفصل الأول

في ان الأسفار المقدسة كلمة الله الحق

الأسفار القانونية: نؤمن ونعترف بان الأسفار القانونية للأنبياء والرسل القديسين في عهديهما (القديم والجديد) هي كلمة الله الحق، وان سلطتها كافية من ذاتها لا من البشر. فان الله ذاته كلّم الآباء والأنبياء والرسل ومازال يكلمنا بواسطة الأسفار المقدسة. وتجد كنيسة المسيح الجامعة في هذه الأسفار المقدسة الشرح الأوفى لكل ما يتعلق بالإيمان المخلّص وبالحياة المرضية لله. وفي هذا المجال قد أوصى الله بأن لا يضاف إليها ولا يحذف منها شيء أبدا.

الأسفار تعلم كل تقوى: لذلك فإننا نعتقد بان الحكمة والتقوى الحقيقيتين وإصلاح الكنائس وإدارتها يجب ان تستمد من هذه الأسفار، وكذلك كل واجبات التقوى، وما يتعلق بتثبيت العقائد ودحض الأخطاء. ونعتقد أيضا بكل توبيخ نافع بحسب ما قاله الرسول: “كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ” الخ. (2 تيموثاوس 16:3-17. وأيضا : “هذا اكتبه إليك” يقول الرسول لتيموثاوس “لكي تعلم كيف يجب ان تتصرف في بيت الله” الخ. (1تيموثاوس 14:3-15). الأسفار كلمة الله: ويقول أيضا الرسول نفسه إلى اهل تسالونيكي: “لأنكم إذ تسلمتم منا كلمة خبر من الله قبلتموها لا ككلمة أناس بل كما هي بالحقيقة ككلمة الله” الخ. (1تسالونيكي 13:2). فالرب نفسه قال في الإنجيل “لان لستم انتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم”، لذلك “الذي يسمع منكم يسمع مني. والذي يرذلكم يرذلني، والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني” (متى 20:10، لوقا 16:10، يوحنا 20:13).

الكرازة بكلمة الله هي كلمة الله: لذا فإننا نؤمن بأنه حين يُكرز بكلمة الله في الكنيسة بواسطة وعاظ قانونيين يكون ذلك إعلانا لكلمة الله وهكذا يقبلها المؤمنون. ولا يجوز أبدا ان تُبتدع كلمة أخرى أو ان تُرجى من السماء، وعلينا اعتبار الكلمة التي يُكرز بها وليس الخادم الذي يكرز. حتى لو كان (الواعظ) شريرا وخاطئا تبقى كلمة الله حقة وصالحة. ولسنا من القائلين بان الكرازة الخارجية غير نافعة لأن التعليم في الدين الحق يعتمد على التنوير الداخلي للروح أو لأنه مكتوب “ولا يعلّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه…. لأنهم كلهم سيعرفونني” (أرميا 34:31) وأيضا “إذ ليس الغارس شيئا ولا الساقي بل الله الذي ينمي” (1كورنثوس 7:3). فمع انه “لا يقدر أحد ان يقبل إلى المسيح ان لم يجتذبه الآب” (يوحنا 44:6) وان لم ينوره الروح القدس داخليا فإننا نعلّم انها مشيئة الله حقا ان يكرز بكلمته خارجيا أيضا. لقد كان باستطاعة الله بواسطة روحه القدوس أو بواسطة خدمة ملاك وبدون خدمة مار بطرس ان يلقن كورنيليوس في سفر الأعمال، ولكنه مع ذلك يحيله على بطرس ويقول عنه الملاك: “هو يقول لك ماذا ينبغي ان تفعل (أعمال 6:10).

التنوير الداخلي لا يحل محل الكرازة الخارجية: فان الذي نور البشر داخليا بإعطائهم الروح القدس هو نفسه الذي أوصى تلاميذه قائلا: “اذهبوا إلى العالم اجمع زاكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها (مرقس 15:16).  وهكذا فقد كرز بولس في فيلبي علنا امام ليديا، بائعة الأرجوان، ولكن الرب فتح قلبها داخليا (أعمال 14:16). وبولس ذاته بعد ان شرح فكره بطريقة رائعة في رومية 17:10 خلص إلى القول: “إذا الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله”.

وفي الوقت ذاته نعلم أن الله يستطيع تنوير من يشاء وحيثما يشاء حتى بدون الخدمة الخارجية لن هذا هو من ضمن قدرته. ولكننا نتكلم عن الطريقة العادية في تعليم البشر التي أعطانا إياها الله، أي بواسطة الوصايا والأمثلة.

الهرطقات: لذلك فإننا نستنكر كل هرطقات ارتمون Artemonوالمانويين Manichaeansوالفالنتيين Valentiniansوالمارسيونيين الذين انكروا ان الأسفار (المقدسة) هي من الروح القدس، أو لم يقبلوا أجزاء منها أو حرفوها وأفسدوها.

الابوكرفا:ولكننا لا نتغاضى عن بعض كتب العهد القديم التي سماها القدماء “ابوكريفة” ودعاها غيرهم “كنسية”، وقد ألف بعضهم قراءتها في الكنائس ولكن ليس كمرجع له سلطة في مسائل الإيمان. وكما قال اغسطينوس في “مدينة الله” (الكتاب الثامن عشر والفصل الثامن والثلاثين): “ترد في كتب الملوك أسماء بعض الأنبياء وكتاباتهم” ولكنه يضيف، “ولكنها ليست في المجموعة القانونية” أيضا “ان الكتب التي عندنا تكفي للتقوى”.

 الفصل الثاني: في تفسير الأسفار المقدسة وفي الآباء والمجامع والتقاليد

التفسير الحقيقي للكتاب: قال الرسول بطرس انالأسفار المقدسة “ليست من تفسير خاص” (2بطرس 20:1)، ولذلك لا نسمح بكل التفسيرات الممكنة، وبالتالي لا نعترف بما يُسمى مفهوم الكنيسة الرومانية كالتفسير الحق أو الأصيل للكتاب، أي ما يقول المدافعون عن الكنيسة الرومانية بأنه يجب على الكل قبوله. وإنما نعتبر تفسير الكتاب مستقيم الرأي وأصيلا حين يستمد من الأسفار ذاتها (من طبيعة اللغة التي كتبت فيها، وأيضا بحسب ظروف كتاباتها، فتشرح على ضوء مقاطع مشابهة ومختلفة ومقاطع أخرى كثيرة أكثر وضوحا) وحين يوافق قاعدة الإيمان والمحبة ويؤول إلى مجد الله وخلاص الإنسان.

تفاسير الآباء القديسين: لذا فنحن لا نحتقر تفاسير الآباء الشرقيين (اليونانيين) والغربيين (اللاتين) ولا نرفض مناظرتهم وأبحاثهم فيما يختص بالأمور الدينية بقدر ما تتوافق مع الأسفار (المقدسة). ولكننا نخالفهم بكل اتضاع حيثما نجد انهم يقولون أشياء تختلف أو تتعارض كليا مع الأسفار المقدسة. ولا نعتقد اننا نخطئ بحقهم في ذلك عالمين انهم ذاتهم وبإجماع كلي لا يريدون ان تُساوى كتاباتهم بالأسفار القانونية، وإنما يوصوننا ان نفحص مدى توافق كتاباتهم أو تعارضها مع الأسفار القانونية وان نقبل منها ما يتوافق ونرفض ما لا يتوافق معها.  

المجامع: وفي المكانة ذاتها نضع قرارات المجامع وقوانينها. لذا فلا نسمح لأنفسنا في مسائل الاختلافات الدينية أو شؤون الإيمان ان نكتفي بدعم موقفنا بآراء الآباء أو قرارات المجامع فقط، وطبعا ليس بالعادات المقبولة أو بحجة العدد الكبير للذين يتشاركون في الرأي ذاته أو بحجة الأقدمية في الزمن. من هو الحكم. لذا لا نعترف بحكم غير حكم الله ذاته الذي يعلن لنا بالأسفار المقدس ما هو الحق والباطل، وما يجب اتباعه أو تركه. ولكننا نوافق على احكام أناس روحيين مستمدة من كلمة الله. لقد دان ارميا وأنبياء آخرون بعنف جماعات الكهنة الذين أقيموا ضد شريعة الله، وقد حثونا بإصرار ان لا نصغي للآباء أو نسلك في طريقهم، لنهم ساروا في طريق بدعهم وشذوا عن شريعة الله.

تقاليد البشر: ونرفض أيضا التقاليد البشرية مهما رافقتها الألقاب الرنانة وكأنها إلهية ورسولية معطاة للكنيسة بواسطة صوت الرسل الحي، وكما يُظن بواسطة اتباع الرسل إلى الأساقفة اللاحقين. فهذه كلها عندما تقارن مع الكتاب نجد انها تختلف عنه، لذا فهي في هذا الاختلاف تثبت عدم رسوليتها على الإطلاق. فكما ان الرسل لم يناقضوا أنفسهم في التعليم كذلك فان اتباع الرسل لم يعلموا ما هو مخالف للرسل. بل على العكس فانه من الإثم ان يقال بان الرسل سلموا اتباعهم شفهيا ما يتعارض مع كتاباتهم. فبولس يقول بوضوح انه علم الأمور ذاتها في كل كنيسة (1كورنثوس 17:4). وأيضا يقول: “فإننا لا نكتب إليكم بشيء آخر سوى ما تقرأون أو تعرفون” (2كورنثوس 13:1). وأيضا، في مكان آخر يشهد بأنه وتلاميذه- أي اتباع الرسل- سلكوا “بذات الخطوات الواحدة” وعملوا كل شيء “بذات الروح الواحدة”. (2كورنثوس 18:12). وقد كان لليهود أيضا في الأيام السالفة تقاليد الشيوخ ولكن هذه التقاليد رُفضت من الرب بقسوة إذ قال ان هذه التقاليد تسبب التعدي على شريعة الله وان هذا الشعب يعبد الله باطلا بهذه التقاليد (متى 1:15 ومرقس 1:7).

 الفصل الثالث: في وحدانية الله والثالوث

الله واحد: نؤمن ونعلم ان الله واحد في الجوهر أو الطبيعة، كائن في ذاته، مكتف في ذاته، غير منظور، غير مادي، غير محدود، ابدي، خالق كل الأشياء مما يرى وما لا يرى، خير أعظم، حي ومحيي كل الأشياء ومحافظ عليها، كلي القدرة، كلي الحكمة، رؤوف، رحوم، عادل وحق. نمقت حقا تعدد الآلهة لأنه مكتوب: “الرب إلهنا رب واحد” (تثنية 4:6). “أنا الرب إلهك.. لا يكن لك آلهة أخرى أمامي” (خروج 2:20-3) (انا الرب وليس آخر. لا اله سواي. أليس انا الرب ولا إله آخر غيري. اله بار ومخلّص. ليس سواي” (اشعياء 5:45و21). “الرب الرب إله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء”. (خروج 6:34).

الله ثالوث: ومع ذلك نؤمن ونعلّم بأن الله الواحد ذاته غير المحدود وغير المنقسم يتمايز في ذاته دون انفصال ودون اختلاط آباً وابنا وروحاً قدساً، فكما ان الآب ولد الابن منذ الأزل، فالابن مولود بولادة لا توصف، والروح القدس ينبثق حقا من الاثنين أزليا وينبغي ان يُسجد له معهما.

لذا فليس هناك ثلاثة آلهة وإنما ثلاثة أشخاص (أو أقانيم)، من الجوهر ذاته، متساوون في الأزلية ومتعادلون، متمايزون في الاقانيم من جهة العلاقة، كون الواحد يسبق الاخر لكن دون انتقاص في المساواة. فهم بحسب الجوهر أو الطبيعة مرتبطون بعضهم ببعض كإله واحد، والطبيعة الإلهية مشتركة لدى الآب والابن والروح القدس.

لقد أعطانا الكتاب تمييزا واضحا بين الأشخاص، فالملاك قال فيما قال للعذراء المباركة: “الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله” (لوقا 35:1). وأيضا سُمع في معمودية المسيح صوت من السماء قائلا عنه “هذا هو ابني الحبيب” (متى 17:3) والروح القدس ظهر في شكل حمامة (يوحنا 32:1). وحين أوصى الرب الرسل ان يعمدوا أوصاهم ان يصنعوا ذلك “باسم الآب والابن والروح القدس”. (متى 19:28). وقال أيضا في مكان آخر ان الآب سيرسل الروح القدس “باسمي” (يوحنا 26:14). وأيضا قال: “ومتى جاء المُعزي الذي سأرسله انا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي” الخ (يوحنا 26:15). وباختصار فإننا نقبل قانون إيمان الرسل لأنه ينقل إلينا الإيمان الحق.

هرطقات: لذلك فإننا ندين…. كل المجدفين على الثالوث القدوس الذي نعبد. وندين أيضا كل الهرطقات والهرطقة الذين يعلمون ان الابن والروح القدس هما الله بالاسم فقط، وان ثمة شيئا مخلوقا وتابعا أو خاضعا لشيء آخر في الثالوث وان ثمة عدم تساو فيه، أي ما هو أكثر أو أقل، أو أي تصور مادي فيه، أو أي اختلاف في الصفة (الذات) أو المشيئة، أو أي اختلاط أو انزواء، وكأن الابن والروح القدس هما حالتا الله الواحد الآب وصفتاه كما قال المونارخيون وأتباع نوفاتيان Novatians وبركسياس Praxeas والقائلون بان الآب تألم Patripassians، وبولس السموساطي، واتياس Aerius ومقدونيوس والقائلون بأن الله صورة بشرية Anthropomorphites وآريوس وكل من ظن مثلهم.  

الفصل الرابع: في الأوثان أو صور الله والمسيح والقديسين

صورة الله: بما ان الله روح وهو في الجوهر غير منقسم وغير محدود لا يمكن التعبير عنه حقا بالفن أو بصورة. لذلك فلسنا نخشى ان نعلن مع الكتاب بان كل صور الله أكاذيب. لذلك فإننا نرفض أوثان أبناء الأمم كما نرفض أيضا صور المسيحيين. صور المسيح: ومع ان المسيح اتخذ الطبيعة البشرية فانه لم يفعل ذلك لكي يهيئ نموذجا للنحاتين والرسامين. لقد نفى المسيح انه جاء لينقض الشريعة والأنبياء (متى 17:5). ولكن الشريعة والأنبياء يحرمان الصور (تثنية 15:4 واشعياء 9:44). وقد رفض المسيح ان يكون حضوره الجسدي ذا منفعة للكنيسة ووعد ان يكون قربنا للأبد بواسطة روحه (يوحنا 7:16). فمن الذي يعتقد ان طيف جسده أو مثاله يسهم في منفعة المؤمن التقي. (1كورنثوس 5:5). بما انه يمكث فينا بروحه فإننا هيكل الله (1كورنثوس 16:3). ولكن “أية موافقة لهيكل الله مع الأوثان”؟ (2كورنثوس 16:6).

صور القديسين:وبما ان الأرواح المباركة والقديسين رفضت أثناء حياتهم هنا على الأرض كل عبادة لهم (أعمال 12:3 الخ و11:14 الخ، ورؤيا 7:14و 9:22) ودانت الصور، فهل يظن أحد ان القديسين والملائكة السماويين يسرون بصورهم التي يجثو الناس لها ويرفعوا أمامها غطاء رؤوسهم ويكرموها؟

ولكن من اجل تعليم الناس التقوى وتذكيرهم بالأمور الإلهية وبخلاصهم أوصى الرب بالكرازة بالإنجيل (مرقس 15:16) لا بالتصوير وتعليم الناس (العلمانيين) بواسطة الصور. وأنشأ أيضا أسرارا ولكن لم ينشئ صورا أبدا. كتاب العوام:ان خلائق الله الحية التي نراها في كل مكان إذا ما أنعمنا النظر فيها وتفحصناها كما يجب نجد انها تعطي انطباعا أقوى وأفعل للناظرين من كل الصور الباطلة الجامدة الضعيفة والمائتة المصنوعة من البشر والتي قال عنها النبي بحق: “لها أعين ولا تبصر” (مزمور 5:115).

لكتنتيوس Lactantius: لذلك فإننا نوافق رأي المفكر القديم لكتنتيوس الذي قال: “لا توجد التقوى أبدا حيث توجد صورة”. ابيفانيوس وهيرونيموس: وكذلك ان الأسقف المبارك ابيفانيوس كان على حق عندما مزق صورة للمسيح أو لأحد القديسين رسمت على حجاب موضوع على باب احدى الكنائس ثم نزعها، لأن رؤية صورة إنسان معلقة على كنيسة المسيح مخالفة لسلطان الكتاب. لذلك أمر بعدم جواز تعليق حجب منافية لعبادتنا في كنيسة المسيح بل أوصى ان تنزع كل هذه الأمور المشبوهة والتي ليست من مقام الكنيسة والشعب المؤمن. ونوافق أيضا رأي القديس أوغسطينوس في العبادة الحقة: “لا ينبغي ان تكزن عبادتنا عبادة أعمال البشر. لأن الفنانين أنفسهم الذين يضعون هذه الأشياء هم أفضل منها ولكن يجب الا نعبدهم”.

 

الفصل الخامس: في السجود لله وعبادته والدعاء إليهبالوسيط الوحيد يسوع المسيح

 لله وحده ينبغي السجود والعبادة: نعلّم بأنه الله وحده ينبغي السجود والعبادة. وهذا ما لا نؤديه لأحد غيره كما جاء في وصية الرب: “للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد” (متى 10:4). وبالفعل فقد ندد الأنبياء بعنف بالشعب الإسرائيلي حين عبد آلهة غريبة وسجد لها دون الإله الواحد الحق. ولكننا نؤمن بأنه ينبغي ان يسجد الله ويعبد كما علمنا هو ان نعبد، أي “بالروح والحق” (يوحنا 23:4) وليس بالأوهام وإنما بإخلاص وبحسب كلمته. لئلا يقول لنا يوما: “من طلب هذا من أيديكم” (اشعياء 12:1، أرميا 20:6). ويقول بولس أيضا: الله “لا يخدم بأيادي الناس كأنه محتاج إلى شيء.” (أع 25:17).

الدعاء لله وحده بوساطة المسيح فقط: في كل محن حياتنا وتجاربها ندعو الله وحده وذلك بواسطة شفيعنا وشفيعنا الوحيد، يسوع المسيح. فقد أوصينا بكل صراحة: “ادعني في يوم الضيق أنقذك فتمجدني” (مزمور 15:50). وأيضا لنا وعد كريم من الرب الذي قال: “ان كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم” (يوحنا 23:16) وأيضا: “تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم” (متى 28:11). وبما انه مكتوب: “فكيف يدعون بمن لم يؤمنوا به؟” (رومية 14:10)، وبما اننا نؤمن بالله وحده ندعوه بالتأكيد وحده ونفعل ذلك بالمسيح، لأن الرسول يقول : (لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والإنسان يسوع المسيح”. (1تيموثاوس 5:2) وكذلك: “ان اخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار” الخ. (1يوحنا 1:2).

لا تجوز عبادة القديسين أو الدعاء أو التعبد لهم: لهذا فإننا لا نعبد القديسين في السماء أو آلهة أخرى ولا نتعبد أو ندعوا لهم ولا نعترف بهم شفعاء أو وسطاء امام الآب في السماء. فالله والمسيح الوسيط كافيان لنا. وكذلك لا نكرم أحدا بالتكريم الواجب لله وحده ولابنه لأنه قال بصراحة: “مجدي لا أعطيه لآخر” (اشعياء 9:42)، ولأن بطرس قال: “لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي ان نخلص” (أعمال 12:4). فالذين فيه يؤكدون إيمانهم لا ينشدون أي شيء خارج المسيح.

التكريم اللائق بالقديسين:

ولكننا في الوقت نفسه لا نحتقر القديسين ولا نظن سوءا بهم، لأننا نقر أنهم أعضاء في المسيح وأصدقاء الله الذين غلبوا الجسد والعالم بمجد. لذا فنحن نحبهم كأخوة لنا ونكرمهم ولكن ليس بعبادة بل بتفكير حسن عنهم وبتمجيدهم. وكذلك فإننا نقتدي بهم. نسعى مخلصين بشوق حار وابتهالات ان نقلد إيمانهم وفضائلهم ونشاركهم الخلاص الأبدي ونسكن أبديا معهم في حضرة الله ونفرح معهم في المسيح. وفي هذا المجال نستحسن قول القديس اغسطينوس في كتابه: De vera relig“لا تكن تقوانا عبادة بشر قد ماتوا. فإذا كانوا قد عاشوا حياة مقدسة فهم ابعد الناس عن نشدان حفاوة كهذه. بل العكس انهم يريدوننا ان نعبد الذي بنوره يفرحون بأننا خدام مشاركون في استحقاقاته. لذلك يجب تكريمهم بواسطة الإقتداء بهم وليس بالتعبد لهم في طريقة دينية” الخ.

ذخائر القديسين: ولا نعتقد أبدا بأن ذخائر القديسين تستوجب عبادة وتكريما. فقد كرم القديسون الاقدمون موتاهم كفاية حين أودعوا بقاياهم التراب بعد ان فارقتها الروح إلى العلي. وكانوا يعتقدون ان أنبل ذخائر أجدادهم هي فضائلهم وتعليمهم وإيمانهم. فكما يمدحون هذه “الذخائر” حين يثنون على موتاهم كذلك عليهم ان يسعوا لتقليدهم في حياتهم على الأرض.

الحلف باسم الله وحده:لم يحلف الاقدمون الا باسم الله الواحد، يهوه، كما نصت الشريعة. لذا، فكما ان الحلف بأسماء آلهة غريبة محرم (خروج 13:23 وتثنية 20:10) كذلك لا نقسم اليمين بالقديسين. وهكذا فإننا نرفض في كل هذه الأمور تعليما يعزو إلى القديسين في السماء أكثر مما يجوز. ص132

 الفصل السادس: في عناية الله

عناية الله تتحكم بكل الأشياء: نؤمن بأن كل الأشياء وعلى الأرض وكل المخلوقات تحفظ وتساس بعناية هذا الإله القدير الأزلي الحكيم. فداود يشهد قائلا: “الرب عال فوق كل الأمم. فوق السموات مجده. من مثل الرب إلهنا الساكن في الأعالي، الناظر الأسافل في السموات وفي الأرض”. (مزمور 4:113-6). وأيضا: “مسلكي ومربضي ذريت وكل طرقي عرفت. لأنه ليس كلمة في لساني الا وأنت يا رب عرفتها كلها” (مزمور 3:139-4). وبولس أيضا يشهد ويعلن: “لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد” (أعمال 28:17) وأيضا يقول: “لأن منه وبه وله كل الأشياء”. (رومية 36:11). لذلك فقد صرح أوغسطينوس حقا وبحسب الكتاب حين قال في كتابه: De agone, Cap.8: “قال الرب “أليس عصفوران يباعان بفلس؟ وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم”.(متى 29:10). أراد الرب بقوله هذا ان يظهر للناس ان ما يظنونه أقل الأشياء قيمة هو مشمول بقدرة الله الفائقة. فالذي هو الحق يقول انه هو يقوت طيور السماء وهو يلبس زنابق الحقل. وأيضا يقول ان شعرات رأسنا محصية لديه” (متى 26:6 وما يتبع).

الأبيقوريون:لذلك فإننا ندين الأبقوريين الذين ينكرون عناية الله وكذلك كل القائلين ان الله منهمك بالسماوات ولا يرى ولا يهتم بنا وبأمورنا. لقد دان داود النبي الملك هذا (الموقف) حين قال: “حتى متى الخطاة يا رب حتى متى الخطاة يشتمون… يقول الرب لا يبصر وإله يعقوب لا يلاحظ. افهموا أيها البلداء في الشعب ويا جهلاء متى تعقلون. الغارس الأذن ألا يسمع؟ الصانع العين الا يبصر؟” (مزمور 3:94و7-9).

عدم احتقار وسائط (العناية): ومع هذا فإننا لا نرفض بازدراء الوسائل التي بواسطتها تعمل العناية الإلهية ولا نعتبرها عديمة الفائدة، بل نعلم أنه علينا ان نتكيف معها بقدر ما توصي به كلمة الله. لهذا فإننا لا نوافق الأقوال المتهورة التي يبديها البعض انه إذا كانت كل الأشياء تدار بعناية الله فليس هناك جدوى لجهودنا ومساعينا. ويكفي ان نترك كل شيء لحكم العناية الإلهية وليس لنا ان نهتم بشيء أو ان نعمل شيئا. فمع ان بولس فهم انه أبحر تحت عناية الله الذي قال له: “ينبغي ان تشهد في رومية أيضا” (أعمال 11:23) وأعطاه أيضا وعدا: “لا تكون خسارة نفس واحدة منكم.. ولا تسقط شعرة من رأس أحد منكم” (أعمال 22:27و34)، فإنه عندما هم النوتية ان يتركوا السفينة قال بولس ذاته لقائد المئة وللعسكر: ان لم يبق هؤلاء في السفينة فأنتم لا تقدرون ان تنجوا” (أعمال 31:27). لأن الله الذي عين النهاية لكل الأشياء رتب البداية والطريق التي تصل بها إلى الهدف. يعزو الوثنيون الأمور إلى القدر الأعمى والصدفة المتقلبة. ولكن القديس يعقوب لا يريدنا ان نقول: “نذهب اليوم أو غدا إلى هذه المدينة أو تلك وهناك.. نتجّر ونربح” ولكنه يضيف: “عوض ان تقولوا ان شاء الرب وعشنا نفعل هذا أو ذاك” (يعقوب 13:4و15). وأغسطينوس يقول: “كل ما يبدو للبشر المغرورين انه حدث في الطبيعة بالصدفة يحدث بكلمته فقط لأنه يحدث بحسب أمره وحده” Enarrationes in Psalmos 148. وهكذا ظهر ان لقاء شاوول بالنبي صموئيل حدث صدفة حين ذهب الأول يفتش عن اتان أبيه. ولكن الواقع ان الرب كان قد قال سابقا للنبي: “غدا في مثل الآن أرسل إليك رجلا من أرض بنيامين” (1صموئيل 16:9).

الفصل السابع: في خلق الأشياء كلها:

في الملائكة والشيطان والإنسان

الله خلق كل الأشياء: هذا الإله الخيّر القدير خلق كل الأشياء ما يرى وما لا يرى بواسطة كلمته المتساوية معه في الأزلية، ويحفظها بواسطة روحه المتساوية معه في الأزلية، كما يشهد داود حين يقول: “بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها” (مزمور 6:33). وكما يقول الكتاب، كل ما عمله الله حسن جدا وقد جعل لمنفعة الإنسان واستعماله. اننا نؤكد بان كل هذه الأشياء تنبثق من بداية واحدة.

المانويون والمارسيونيون: لذلك فاننا ندين المانوين والمارسيونيين الذين بلا ورع تخيلوا من كل منهما جوهرين وطبيعتين، الواحد خير والثاني شر، وبدايتين والهين متنافيين، الواحد خيّر والثاني شرير.

في الملائكة والشياطين: ان الملائكة وبني البشر هم الأفضل بين كل الخلائق. يصرح الكتاب في شأن الملائكة: “الصانع ملائكته رياحا وخدامه نارا ملتهبة” (مزمور 4:104). وأيضا يقول: “أليس جميعهم أرواحا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين ان يرثوا الخلاص” (عبرانيين 14:1). اما بخصوص الشيطان فالرب يسوع نفسه يشهد: “ذاك كان قتالا للناس من البدء ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه الحق. متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذاب وأبو الكذاب”. (يوحنا 44:8). وبالتالي فاننا نعلم بان بعض الملائكة مكثوا في الطاعة وعينوا في خدمة أمينة لله والناس، ولكن آخرين سقطوا بإرادتهم الحرة وطرحوا في الهلاك صائرين أعداء كل صلاح والمؤمنين الخ.

في الإنسان: اما بالنسبة للإنسان فيقول الكتاب بأنه خلق خيّرا في البداية على صورة الله ومثاله، وان الله وضعه في جنة وأخضع كل الأشياء له (تكوين 2). هذا ما يبينه داود بشكل  رائع في المزمور الثامن. وأيضا أعطاه الله امرأة وباركهما. ونؤكد أيضا على جوهرين مختلفين في شخص واحد: نفس عديمة الموت، حين تنفصل عن الجسد لا تنام ولا تموت، وجسد مائت سيقوم من الموت في الدينونة الأخيرة.

الشيع: ندين كل من يستهزئون بخلود الأنفس ويشككون بها بحجج ماكرة، أو يقولون ان النفس تنام أو هي جزء من الله. باختصار، اننا ندين كل آراء البشر مهما تعددت التي تحيد عما أعطي لنا بالكتاب المقدس في كنيسة المسيح الرسولية فيما يتعلق بالخلق والملائكة والأرواح الشريرة والإنسان.

الفصل الثامن: في سقوط الإنسان والخطيئة وأسبابها

 سقوط الإنسان: خلق الإنسان في البدء على صورة الله صالحا مستقيما في بر وقداسة حقيقيين. ولكنه حين تخلى عن الصلاح والبر بسبب ذنبه وبتحريض من الحية صار خاضعا للخطيئة والموت ومصائب مختلفة. وما صاره بالسقوط، أي خاضعا للخطيئة والموت ومصائب مختلفة، هكذا أيضا صاره كل المنحدرين منه.

الخطيئة: نفهم “بالخطيئة” فساد الإنسان المتأصل الذي يّرد إلى والدينا الأولين أو ينقل منهما إلينا بالتوارث. وبهذا الفساد نميل نحن إلى الشر غارقين في شهوات منحرفة ونافرين من كل صلاح. واذ نحن ممتلؤن من الإثم والارتياب واحتقار الله وازدرائه لا نستطيع من أنفسنا ان نصنع شيئا صالحا أو حتى ان نفكر به. وأيضا حين ننمو ونكبر نعطي ثمرا فاسدا كالشجرة الرديئة (متى 33:12 وما يتبع) بأفكارنا وأقوالنا وأعمالنا الشريرة التي نرتكبها ضد شريعة الله. لذلك فإننا نستحق العقوبة العادلة ونخضع لغضب الله لدرجة أنه كان يطرحنا للهلاك لو لم يعدنا إليه المسيح المنقذ.

الموت: نفهم “بالموت” ليس الموت الجسدي الذي سنعانيه جميعا مرة بسبب الخطايا فقط ولكن أيضا العقاب الأبدي لخطايانا وفسادنا. فان الرسول يقول اننا كنا “أمواتا بالذنب والخطايا… وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضا. الله الذي هو غني بالرحمة… ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح”. (افسس 1:2 وما يتبع). وأيضا: “كما ان بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ اخطأ الجميع”. (رومية 12:5).

الخطيئة الأصلية: لذلك نقر بخطيئة أصلية في كل البشر. الخطايا الفعلية: ونقر ان كل الخطايا الأخرى التي تنشأ منها هي حقا خطايا، سواء أسميت خطايا مميتة أم عرضية أم الخطيئة ضد الروح القدس التي لا تغتفر (مرقس 29:3و1 يوحنا 16:5). ونعترف أيضا ان الخطايا ليست كلها متساوية، فمع انها تنبع من منبع الفساد وعدم الإيمان نفسه فان بعضها أخطر من غيرها. وكما قال الرب فإن حالة سدوم وعمورة يوم الدين ستكون أكثر احتمالا من المدينة التي ترفض كلمة الإنجيل (متى 4:10 وما يتبع، 2.0:11 وما يتبع).

الشيع: لذلك فاننا ندين جميع الذين علّموا ما يتنافى مع هذا، بالأخص بلاجيوس وأتباعه جوفينيانوس Joviniansالذين مثلهم مثل الرواقيين يعتبرون ان كل الخطايا متساوية. ونوافق في هذا المجال أوغسطينوس الذي استمد موقفة ودافع عنه من الكتاب المقدس. وأيضا ندين فلورنيوس Florinusوبلاستوس Blastusاللذين كتب ضدهما ايريناوس، وندين كل من يجعل الله منشئ الخطيئة.

ليس الله منشئ الخطيئة والى أي حد يقال انه يقسو: لقد كتب بصراحة: “أنت لست إلها يسر بالشر.. أبغضت كل فاعلي الإثم. تهلك المتكلمين بالكذب” (مزمور 4:5 وما يتبع). وأيضا: “متى تكلم (الشيطان) بالكذب فإنما يتكلم مما له  لأنه كذاب وأبو الكذاب”. (يوحنا 44:8). وهناك اثم وفساد فينا كافيان فلا يحتاج  الله ان يصب علينا فسادا جديدا أو أكبر. لذا فانه عندما نقرأ في الكتاب ان الله يقسو ويعمي ويسلم الناس إلى عقل مرذول يجب ان نفهم بان الله يفعل ذلك بحكم منصف وكقاض ومقتص عادل. وأخيرا، حيث نقرأ في الكتاب ما يبدو وكأن الله يصنع شرا فليس معنى ذلك ان الإنسان لم يصنع الشر بل ان الله سمح به ولم يمنعه بحسب قضائه العادل. لأنه يستطيع ان يضع حدا له ان أراد أو ان يحول الشر إلى الخير تماما كما فعل بخطيئة أخوة يوسف، أو ان يتحكم بالخطايا لئلا تكبر وتتفشى أكثر مما هو مقبول. يقول القديس أوغسطينوس في كتابه Enchiridion: “ما يحدث ضد مشيئته لا يحدث من دون مشيئته وذلك بطريقة عجيبة تفوق الوصف، لأنه لا يستطيع ان يحدث إذا لم يسمح به. ومع ذلك فإنه يسمح به طوعا لا كرها. ولكن الخيّر لا يسمح بحصول الشر إلا إذا كان كلي القدرة وقادرا على صنع الخير من الشر”. هكذا كتب أوغسطينوس.

أسئلة فضولية:   أما الأسئلة الأخرى مثل: هل أراد الله سقوط آدم أو حرّضه عليه؟ أو لماذا لم يمنعه من السقوط؟ فاننا نعتبر هذه الأسئلة وما شابهها أسئلة فضولية (الا إذا أجبرنا خبث الهرطقة أو غيرهم من الغلظاء على تفسيرها من كلمة الله، كما فعل مرارا معلمو الكنيسة) عالمين ان الله حظر على الإنسان ان يأكل من الشجرة المحرمة وعاقب تعديه. ونعلم أيضا ان الأشياء التي تصنع ليست شرا بالنظر إلى عناية الله وارادته وقدرته ولكنها بالنظر للشيطان ولإرادبنا انما تعارض مشيئة الله.

الفصل التاسع: في الإرادة الحرة وإمكانيات الإنسان

في هذه المسالة التي طالما سببت نزاعات في الكنيسة نعلّم انه يجب الأخذ بعين الاعتبار ثلاث حالات للإنسان. الإنسان قبل السقوط: ثمة حالة كان الإنسان فيها في البدء قبل السقوط، وهي انه كان مستقيما وحرا قادرا ان يستمر في الصلاح أو ان يميل للشر. ولكنه انحرف إلى الشر وورّط نفسه وكل الجنس البشري في الخطيئة والموت كما سبق وقلنا. الإنسان ما بعد السقوط: ثم علينا التأمل بما صار الإنسان بعد السقوط. طبعا لم يحرم من العقل ولم تنزع منه الإرادة ولم يتحول كليا إلى حجر أو شجرة. ولكن عقله وارادته تغيرا وضعفا لدرجة أنهما لم يعودا قادرين على فعل ما كانا قادرين عليه قبل السقوط. لأن الفهم أظلم والإرادة التي كانت حرة صارت مستعبدة، وهي الآن تخدم الخطيئة ليس كرها بل طوعا. وهي مع ذلك تدعى إرادة وليس “لا إرادة”  

الإنسان يصنع الشر بإرادته الحرة: فالإنسان، اذن، بالنظر إلى الشر أو الخطيئة لا يرغم على فعل الشر لا من الله ولا من الشيطان ولكنه يفعله بإرادته الحرة، وإرادته في هذا المجال حرة تماما. وعندما، وبالتالي، نرى الله يمنع حدوث أسوأ الجرائم والمخططات البشرية من بلوغ هدفها، فهذا لا يقلل من حرية الإنسان في فعل الشر ولكن الله بقدرته الذاتية يمنع ما خططه الإنسان بحرية. فمثلا، لقد قرر أخوة يوسف بحرية ان يتخلصوا منه ولكنهم لم يستطيعوا لأن مشورة الله رأت ان هناك شيئا آخر هو الصالح. 

الإنسان غير قادر على الصلاح من ذاته: ان عقل الإنسان بالنظر إلى الصلاح والفضيلة لا يميز من ذاته بالصواب ما يتعلق بالأمور الإلهية. فإن الكتابات الرسولية الإنجيلية تتطلب ولادة ثانية من الذين يودون الخلاص. لأن ولادتنا الأولى من آدم لا تساعد أبدا في خلاصنا. يقول بولس: “الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله” (1كورنثوس 14:2). وفي مكان آخر ينفي ان نكون “كفاة من أنفسنا ان نفتكر شيئا حسنا”. (2كورنثوس 5:3). والمعلوم ان العقل أو الفهم هو دليل الإرادة، وعندما يكون الدليل أعمى فمن الواضح أين تذهب الإرادة. لذا فالإنسان غير المتجدد لا يملك أرادة حرة للصلاح ولا قوة لفعل الخير. يقول الرب في الإنجيل: “الحق الحق أقول لكم ان كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية” (يوحنا 34:8). والرسول بولس يقول “لأن اهتمام الجسد هو عداوة الله إذ ليس هو خاضعا لناموس الله لأنه أيضا لا يستطيع”. (رومية 7:8). اما بالنسبة للأمور الدنيوية فليس الإنسان الساقط مفتقرا كليا في الفهم.

فهم المعرفة العلمية: لأن الله برحمته سمح لقوى العقل في الإنسان ان تستمر وان باختلاف كبير عما كانت عليه قبل السقوط، فالله يوصينا بتهذيب مواهبنا الطبيعية وهو يستمر في زيادة الهبات والنجاح. ومن الواضح أننا لا نتقدم في المعرفة العلمية أبدا من دون بركة الله. وفي كل حال فإن الكتاب يعزو كل العلوم إلى الله، حتى الوثنيون يردون أصل العلوم إلى الآلهة التي ابتكرتها.

قدرات المتجددين وحرية إرادتهم: أخيرا، يجب ان ننظر فيما إذا كان المتجددون يملكون إرادة حرة والى أي مدى. ينور الروح القدس الفهم في عملية التجديد حتى يستطيع ان يفهم أسرار الله وارادته. ولا يكتفي الروح القدس بتغيير الإرادة فحسب بل يزودها بإمكانيات تستطيع بها ان تريد الصلاح وان تعمله طوعا (رومية 1:8 وما يتبع) فإذا لم نقبل بهذا ننفي الحرية المسيحية ونحدث استعبادا شرعيا. ولكن الله يقول بالنبي: “اجعل شريعتي في داخلهم واكتبها على قلوبهم” (ارميا 33:31، حزقيال 26:36 وما يتبع). والرب قال في الإنجيل: “فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا” (يوحنا 36:8). ويكتب بولس إلى اهل فيلبي قائلا: “لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا ان تؤمنوا به فقط بل أيضا ان تتألموا لأجله” (فيلبي 29:1). وأيضا: “واثقا بهذا عينه ان الذي ابتدأ فيكم عملا صالحا يكمل إلى يوم يسوع المسيح”. (فيلبي6:1). وأيضا: “لأن الله هو العامل فيكم ان تريدوا وان تعملوا من اجل المسرة”. (فيلبي 13:2).

المتجددون هم عاملون فعلا وليس متقبلين فقط: ولكننا نعلم في هذا المجال انه يجب ملاحظة شيئين: أولا، ان المتجددين حين يختارون الصلاح ويفعلونه، يقومون بعمل فعلي ولا يكتفون فقط بموقف “اللاعمل”. لأن الله يحركهم لكي يفعلوا هم ما يفعلونه. فالقديس أوغسطينوس أصاب حين أورد القول: “يدعى الله عوننا. لكن لا يعان إنسان ما لم يعمل هو شيئا”. لقد سلب المانويون الإنسان كل نشاط وجعلوه مثل حجر أو لوح من خشب.

الإرادة الحرة ضعيفة في المتجددين: ثانيا، يبقى في المتجددين ضعف لأن الخطيئة تسكن فينا، والجسد يصارع الروح في المتجددين إلى نهاية حياتنا فلا يستطيعون ان يتمموا ما أرادوه في كل الأمور.وهذه الأمور أكدها لنا الرسول بولس في رومية 7 وفي غلاطية5. فالإرادة الحرة ضعيفة فينا بسبب بقايا آدم القديم والفساد الإنساني المتأصل والمستمر فينا حتى أواخر حياتنا. ولكن بما ان القوى الجسدية وبقايا الإنسان القديم ليست فعالة لدرجة انها تطفئ كليا عمل الروح فاننا نقول ان المؤمنين أحرار، ولكن حتى يعرفوا بعضهم ولا يتفاخروا بإرادتهم الحرة. لأنه على المؤمنين ان يتذكروا دائما ما ألح عليه القديس أوغسطينوس مرارا وبحسب الرسول بولس: “ماذا لديكم ما لم تستلموه. فإذا استلمتموه فلماذا تفتخرون وكأنه ليس هبه؟”. ويضيف إلى هذا ان ما نقره لا يحدث مباشرة لأن حصول الأشياء في يد الله. ولهذا تضرع بولس إلى الرب ان تتيسر رحلته (رومية 1.0:1). وهذا أيضا سبب ضعف الإرادة الحرة.

في الأمور الخارجية حرية: لا ينفي أحد ان الجميع- متجددين وغير متجددين- يتمتعون بحرية الإرادة في المسائل الخارجية- فالإنسان يشترك مع باقي المخلوقات الحية (وهو ليس اقل مقام منها) في الطبيعة القادرة على اختيار بعض الأشياء وعدم اختيار البعض الآخر. فباستطاعته مثلا ان يتكلم أو يصمت وان يخرج من البيت أو يبقى فيه الخ. ولكن يجب ان نلاحظ قدرة الله حتى في هذه الأمور لأنها كانت السبب في عدم تمكن بلعام من بلوغ هدفه (العدد 24) وأيضا السبب في عدم استطاعة زكريا الكلام بعد عودته من الهيكل (لوقا 1).

البدع: ندين في هذه المسألة المانويين الذين ينكرون ان بداية الشر كانت بواسطة الإنسان الحر الذي خلق صالحا. كما ندين مذهب اتباع بلاجيوس الذين يقولون بان للإنسان الشرير حرية إرادة كافية ليعمل الصلاح المطلوب. يدحض الكتاب المقدس كليهما بقوله للأول: “خلق الله الإنسان صالحا”، وللثاني: ان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا” (يوحنا 36:8).

 الفصل العاشر: في الاختيار الإلهي السابق واختيار القديسين

اختارنا الله في النعمة: لقد اختار الله منذ الأزل بحرية وبنعمته الخالصة ودون محاباة القديسين الذين يشاء ان يخلصهم في المسيح بحسب قول الرسول” :اختارنا فيه قبل تأسيس العالم” (افسس 4:1). وأيضا “الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح”. (2تيموثاوس 9:1-1.0).

نحن مختارون في المسيح: لهذا فبدون استحقاق منا اختارنا الله ليس مباشرة بل في المسيح وبسبب المسيح لكي يختار أيضا الذين هم الآن مطعمون إلى المسيح بالإيمان. ولكن الذين كانوا خارج المسيح قد رفضوا بحسب كلمة الرسول: “جربوا أنفسكم هل انتم في الإيمان. امتحنوا أنفسكم. أم لستم تعرفون أنفسكم ان يسوع المسيح هو فيكم ان لم تكونوا مرفوضين”. (2كورنثوس 5:13).

نحن مختارون لغرض معين: أخيرا، ان القديسين مختارون من الله بالمسيح لقصد معين يفسره الرسول نفسه حين يقول: “اختارنا فيه… لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة. إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته لمدح مجد نعمته” (افسس 4:1-6). ينبغي ان يكون لنا رجاء صالح للجميع. ومع ان الله يعلم خاصته وهنا وهناك يصار إلى ذكر عدد المختارين القليل، إلا انه يجب ان يكون لنا رجاء حسن للجميع وألا نحكم على أي إنسان بتسرع بأنه من المرفوضين. لأن بولس يقول لأهل فيلبي: “اشكر الهي.. لأجل جميعكم (وهو يخاطب هنا كل كنيسة فيلبي) لسبب مشاركتكم في الإنجيل… واثقا بهذا عينه انه الذي ابتدأ فيكم عملا صالحا يكمل إلى يوم يسوع المسيح. كما يحق لي ان افتكر هذا من جهة جميعكم”. (فيلبي 3:1-7).

هل المختارون قلة؟ عندما سئل الرب “أقليل هم الذين يخلصون؟” لم يجب قائلا ان المخلصين أو الهالكين قلائل أو كثيرون بل حث كل إنسان ليجتهد ان يدخل من الباب الضيق (لوقا 24:13)، وكأنه يقول ليس لكم ان تسألوا بفضولية عن هذه  المسائل بل ان تجتهدوا لتدخلوا السماء من الطريق الضيق.

الآراء المرفوضة في هذا الأمر: لذلك لا نوافق على أقوال البعض العديمة التقوى مثل: “المختارون قلة وبما انني لا أعلم هل أنت في عدادهم فلأمتع نفسي”. ويقول غيرهم: “إذا كنت مختارا من الله فلن يعيق شيء خلاصي الذي قد سبق وعُين لي بغض النظر عما أفعل. ولكن إذا كنت في اعداد المرفوضين فلن يسعفني لا الإيمان ولا التوبة لأن قرار الله لا يتغير. لذلك فكل التعاليم والتنبيهات هي بلا فائدة.” ان قول الرسول يناقض هؤلاء: “عبد الرب لا يجب ان يخاصم بل يكون مترفقا بالجميع صالحا للتعليم صبورا على المشقات مؤدبا بالوداعة المقاومين عسى ان يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق فيستفيقوا من فخ إبليس إذ قد اقتنصهم لإرادته” (2تيموثاوس 24:2-26).

التبيهات ليست بلا فائدة لأن الخلاص يأتي من الاختيار: فإن أوغسطينوس يظهر أيضا انه يجب ان نكرز بنعمة الاختيار الحر والاختيار السابق وأيضا بالتنبيهات والتعاليم الخلاصية.

فيم إذا كنا مختارين؟ لذلك نخطئ الذين هم خارج المسيح ويسألون ان كانوا مختارين وماذا قرر الله في شأنهم منذ الأزل؟ فان كرازة الإنجيل يجب ان تُسمع وان تُصدق، ويجب ان تعتقد بلا أدنى شك بأنك مختار إذا آمنت وكنت في المسيح. لأن الآب قد كشف لنا في المسيح قصد اختياره الأبدي، كما أظهرت آنفا في 2 تيموثاوس 9:1-1.0. فهذا ينبغي ان يعلّم ويلاحظ: ما أعظم الحب الذي كشفه لنا الآب في المسيح. يجب ان نسمع ما يكرز به الرب لنا يوميا في الإنجيل إذ يدعو ويقول: “تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وانا أريحكم”. (متى 28:11). “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحيوة الأبدية”. (يوحنا 16:3). وأيضا: “هكذا ليست مشيئة أمام أبيكم الذي في السموات ان يهلك أحد هؤلاء الصغار” (متى 14:18).

فليكن المسيح،اذن، مرآه نتأمل فيها اختبارنا السابق. فإذا كانت لنا شركة مع المسيح وكان هو لنا ونحن له في الإيمان الحق فلنا شهادة أكيدة واضحة وكافية بأننا مكتوبين في سفر الحياة.

التجربة في الاختبار السابق:تكمن في الاختبار السابق تجربة شديدة الخطورة بحيث اننا نُجابه بالحقيقة القائلة بان وعود الله هي لكل المؤمنين، لأنه يقول: “اسالوا تعطوا اطلبوا تجدوا… لأن كل من يسأل يأخذ ومن يطلب يجد”. (لوقا 9:11 وما يتبع). وأيضا نصلي مع كنيسة الله جمعاء: “أبانا الذي في السموات” (متى 9:6)، لأننا أولا بالمعمودية قد طُعمنا في جسد المسيح . وثانيا، لأننا نُغذى باستمرار في كنيسته بجسده ودمه إلى الحياة الأبدية. لذلك إذ نحن أقوياء لقد أوصانا ان نتمم خلاصنا بخوف ورعشة بحسب وصية بولس.

الفصل الحادي عشر: في يسوع المسيح، لإله حق وإنسان حق، مخلص العالم الوحيد

المسيح هو إله حق: نؤمن أيضا ونعلّم بان ابن الله ربنا يسوع المسيح قد أُعد مسبقا أو عين مسبقا منذ الأزل من الآب ليكون مخلص العالم. ونؤمن انه وُلد ليس فقط عندما اتخذ جسدا من العذراء مريم أو قبل تأسيس العالم ولد من الآب قبل كل الدهور بطريقة لا توصف. لأن اشعياء قال: “وفي جيله من كان يظن؟” (8:53). ويقول ميخا: “مخارجه منذ القدم منذ أيام الأزل”. (2:5). وقال يوحنا في إنجيله: في البدء كان الكلمة و الكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله”(1:1). فبالنظر إلى لاهوته ان الابن مساو للآب وله الجوهر ذاته معه، انه إله حق (فيلبي 11:2) ليس فقط  بالاسم أو بالتبني أو عن استحقاق بل في الجوهر والطبيعة كما قال الرسول يوحنا مرارا: “هذا هو الإله الحق والحيوة الأبدية” (1يوحنا 2.0:5). ويقول بولس أيضا: “جعله وارثا لكل شيء الذي به أيضا عمل العالمين، الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته”:. (عبرانيين 2:1-3). فقد قال الرب ذاته في الإنجيل: “مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم”. (يوحنا 5:17). وفي موضوع آخر من الإنجيل نقرأ: “فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر ان يقتلوه لأنه.. قال أيضا ان الله أبوه معادلا نفسه بالله”. (يوحنا 18:5).

الشيع: لذا نمقت تعاليم آريوس والآريوسيين الجاحدة ضد ابن الله وبالأخص تجديف ميخائيل سرفيتوس الأسباني وكل اتباعه، التي أخرجها الشيطان بواسطتهم من الجحيم ونشرها بكل وقاحة وكفر في العالم كله.

المسيح إنسان حق ذو جسد حقيقي: وأيضا نؤمن ونعلم بأن الابن الأزلي للإله الأزلي صار إنسانا من ذرية إبراهيم وداود فليس بالجماع البشري كما قال الأبيونيون Ebionites، بل حبل به بكل عفة من الروح القدس وولد من الدائمة البتولية مريم كما يخبرنا التاريخ الإنجيلي بكل دقة (متى 1). وبولس يقول: “ليس يمسك الملائكة بل يمسك نسل إبراهيم” وأيضا يقول الرسول يوحنا ان كل من لا يؤمن بأن يسوع المسيح جاء في الجسد ليس من الله. لذا فإن جسد المسيح لم يكن خياليا ولا منزلا من السماء كما تصور خطأ فالنتينوس ومارسيون.

 في المسيح نفس عاقلة: كما انه لم تكن نفس المسيح محرومة من الحس والعقل كما ظن أبوليناروس ولم يكن جسدا دون نفس كما علم يونوميوس Eunomiusوإنما كان نفسا عاقلة وجسدا ذا حواس، وقد عانى في آلامه آلاما جسدية حقة كما قال هو بذاته:”نفسي حزينة جدا حتى الموت” (متى 38:26). وأيضا: “الآن نفسي قد اضطربت” (يوحنا 27:12).

في المسيح طبيعتان: اننا نعترف بطبيعتين، إلهية وبشرية، أو جوهرين، في ربنا الواحد ذاته يسوع المسيح (عبرانيين 2). نقول بأنهما مرتبطتان ومتحدتان الواحدة مع الأخرى دون امتصاص أو اختلاط أو امتزاج بينهما، بل تتحدان وتجتمعان في شخص واحد وتبقى خصائص كل منهما ثابتة وغير معطلة.

مسيح واحد لا اثنان: لذا فنحن نعبد مسيحا واحدا- الرب- وليس اثنين. نكرر: إله حق وإنسان حق واحد. بالنظر إلى ألوهيته له الجوهر ذاته مع الآب، وبالنظر إلى إنسانيته له الجوهر ذاته الذي للإنسان، “وفي كل شيء مثلنا بلا خطية” (عبرانيين 15:4).

الشيع: نستنكر حقا عقيدة النساطرة الذين يجعلون من المسيح الواحد اثنين ويذيبون وحده الشخص. وكذلك نرذل كليا جنون يوتيخوس وذوي المشيئة الواحدة أو الطبيعة الواحدة الذين يمحقون خصائص الطبيعة البشرية.

طبيعة المسيح الإلهية غير قابلة للألم والطبيعة البشرية ليست في كل مكان: لذلك فلا نعلم أبدا بان الطبيعة الإلهية في المسيح قد تألمت أو ان المسيح بحسب طبيعته البشرية مازال موجودا في العالم وفي كل مكان. لأننا لا نعتقد ولا نعلّم بان جسد المسيح لم يعد جسدا حقيقيا بعد التمجيد أو انه تأله بشكل انه وضع جانبا خصائص الجسد والنفس وتحول كليا إلى طبيعة إلهية وصار جوهرا واحدا فقط.

الشيع: لذا فلا نوافق أبدا أو نقبل نزعة شوينكفلد Schwenkfeldtالمتطرفة والمشوشة والغامضة وحجج أمثاله من السفسطائيين التي تناقض ذاتها. ولسنا اتباعه.

تألم ربنا حقا:نؤمن أيضا ان ربنا يسوع المسيح تألم ومات حقا عنا في الجسد كما يقول بطرس (1بطرس 1:4). نمقت جنون اليعاقبة الجاحد وكل الأتراك الذين يرذلون آلام الرب. ولا ننكر أبدا في الوقت ذاته ان رب المجد صلب من أجلنا بحسب كلام بولس (1كورنثوس 8:2؟).

تبادل الخصائص: نقبل بكل وقار واحترام مبدأ تبادل الخصائص ونستعمله كما يستمد من الكتاب وكما استعمل منذ القدم في تفسير المقاطع التي تبدو متناقصة وللتوفيق بينها.

المسيح قام حقا من الأموات: نؤمن ونعلّمبأن يسوع المسيح ذاته، ربنا، قام أيضا من بين الأموات في جسده الذي صلب ومات، وأنه لم يقم جسد آخر غير الذي دفن، ولم تقم روح بدل الجسد ولكنه حافظ على جسده الحق. لذا فإنه عندما ظن تلاميذه أنهم رأوا روح الرب أراهم يديه ورجليه وآثار المسامير والجروح وقال: “انظروا يدي ورجلي. اني أنا هو. جسوني وانظروا فان الروح ليس له لحم وعظام كما ترون في”. (لوقا 39:24).

ان المسيح صعد حقا إلى السماء: نؤمن ان ربنا يسوع المسيح صعد في الجسد ذاته إلى ما بعد كل السماوات المنظورة إلى السماء الأعلى، أي إلى مسكن الله والقديسين والى يمين الله الآب. فمع ان هذا يدل على مشاركة متساوية في المجد والجلال فإنه يشير أيضا إلى مكان ما قال الرب عنه في الإنجيل: “أنا أمضي لأعدّ لكم مكانا” (يوحنا 2:14). ويقول الرسول بطرس: “ينبغي ان السماء تقبله إلى أزمنة رد كل شيء” (أعمال 21:3). وسيعود هذا المسيح ذاته من السماء للدينونة حين يكون الإثم على أشده في العالم وحين يكون المسيح الدجال قد أفسد العبادة الصحيحة وملأ كل الأشياء خزعبلات وكفرا وأمعن تخريبا في الكنيسة بالنار وهدر الدماء (دانيال 11). ولكن المسيح يأتي أيضا ليدعو خاصته ويهلك بمجيئه المسيح الدجال ويدين الأحياء والأموات (أعمال 31:17). لن الراقدين سيقومون (1تسالونيكي 14:4 وما يتبع). وأما الأحياء في ذلك اليوم (الذي لا يعرفه أي مخلوق (مرقس 32:13)) فيتغيرون “في لحظة في طرفة عين” ويخطف جميع المؤمنين “في السحب لملاقاة الرب في الهواء” ليدخلوا معه إلى مسكنه ويحيوا إلى الأبد (1كورنثوس 51:15 وما يتبع). وأما الذين ليسوا مؤمنين ولا أبرارا فسيهبطون مع الشياطين إلى الجحيم إلى نار أبدية لا خلاص لهم من عذاباتها (متى46:25).

الشيع: لذلك ندين كل الذين ينكرون قيامة حقيقية في الجسد (2تيموثاوس 18:2) أو الذين ليس عندهم رأي صائب في مسألة تمجيد الأجساد مثل يوحنا الاورشليمي الذي كتب هيرونيموس ضده. وندين أيضا أولئك الذين يعتقدون بان الشيطان وكل الأشرار سيخلصون بعد زمن معين وأن للعقاب نهاية. فالرب صرح بوضوح: “دودهم لا يموت والنار لا تطفأ”. (مرقس 44:9). وندين أيضا التخيلات اليهودية القائلة بأنه سيكون على الأرض عصر ذهبي قبل يوم الدينونة وان الأبرار سيملكون كل ممالك الأرض بعد ان يكونوا قد أخضعوا أعداءهم الأشرار. ان الحقائق الإنجيلية في متى 24و25 ولوقا 18 والتعليم الرسولي في 2تسالونيكي 2و2 تيموثاوس 4و3 تتحدث عن شيء مختلف تماما عما تدين به هذه الشيع.

ثمرة موت المسيح وقيامته:ان ربنا بآلامه وموته وكل ما فعل وعانى من اجلنا في مجيئه بالجسد قد صالح كل المؤمنين مع الآب السماوي وصنع كفارة للخطايا وعطل الموت وتغلب على اللعنة والجحيم، وبقيامته من الأموات أعاد الحياة والخلود. فهر برّنا وحياتنا وقيامتنا. وباختصار، انه ملء المؤمنين وكمالهم وخلاصهم وكفايتهم كلها، لأن الرسول يقول: “لأنه فيه سرّ ان يحل كل الملء” و”أنتم مملؤون فيه” (كولوسي 1و2).

يسوع المسيح مخلص العالم الوحيد والمسيح المنتظر الحقيقي: اننا نعلّم ونؤمن بأن يسوع المسيح ربنا هذا هو المخلص الأوحد والأبدي للجنس البشري وللعالم كله. فيه خلص بالإيمان أولئك الذين كانوا قبل الشريعة والذين خضعوا لها، والذين كانوا في زمن الإنجيل: “الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف بل يطلع من موضع آخر فذاك سارق ولص… إني انا باب الخراف”. (يوحنا 1:10و7). وفي موضع آخر من الإنجيل ذاته يقول: “إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح”. (56:8). ويقول الرسول بطرس أيضا: “ليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي ان نخلص.” لذلك نؤمن أننا سنخلص بواسطة نعمة ربنا يسوع المسيح كما كان آباؤنا (أعمال 12:4 و43:10 و11:15). وبولس أيضا يقول: “وجميعهم (أي آباؤنا) أكلوا طعاما واحدا روحيا وجميعهم شربوا شرابا واحدا روحيا لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح”. (1كورنثوس 3:10-4). وهكذا نقرأ في رؤيا يوحنا ان المسيح هو الخروف الذي ذبح منذ تأسيس العالم (رؤيا 8:13)، ويشهد يوحنا المعمدان ان المسيح “حمل الله الذي يرفع خطية العالم” (يوحنا 29:1). فلذلك نصرح ونكرز علنا بأن يسوع المسيح هو فادي العالم والمخلص الوحيد والملك ورئيس الكهنة والمسيح الحق المنتظر والمبارك القدوس الموعود والسابق التمثيل في كل رموز الشريعة ونبؤات الأنبياء، وان الله سبق فعيّنه وأرسله لنا فليس لنا ان نتطلع إلى آخر. فلا يبقى لنا جميعا سوى ان نعطي المجد للمسيح ونؤمن به ونرتاح فيه وحده، ونحتقر ونرفض كل عون آخر في الحياة. فان جميع أولئك الذين ينشدون الخلاص في غير المسيح وحده قد سقطوا من نعمة الله وتبطلوا عن المسيح. (غلاطية 4:5).

القبول بعقائد المجامع الأربعة: باختصار اننا نؤمن بقلب صادق ونعترف بفم يجهر بكل الأشياء التي يحددها الكتاب المقدس فيما يختص بسر تجسد ربنا يسوع المسيح والتي جُمعت بشكل ملخص في عقائد المجامع الأربعة الأولى الفاضلة وقراراتها المعقودة في نيقيا والقسطنطينية وافسس وخلقدونية- فضلا عن اعترافنا أيضا بعقيدة الإيمان للقديس اثناسيوس وكل قوانين الإيمان المشابهة وندين كل ما يخالف هذه العقائد.

الشيع: وبذلك نحافظ تماما ودون انتقاصعلى الإيمان المسيحي الجامع والقويم الرأي، عالمين بأنه ليس في العقائد المشار إليها سابقا ما لا يتوافق مع كلمة الله وليس فيها ما لا يصلح بأن يكون شرحا صادقا للإيمان.

  الفصل الثاني عشر: في شريعة الله

مشيئة الله فُسرت لنا في شريعته: نعلّم بان شريعة الله تشرح لنا مشيئته وفيها نجد ما يشاءه وما لا يشاءه وما هو صالح وعادل وما هو شر وظلم. لذلك نعترف بأن الشريعة صالحة ومقدسة.

شريعة الطبيعة: ونؤمن ان هذه الشريعة كانت مكتوبة في قلوب الناس بإصبع الله (رومية 10:2) وتسمى قانون الطبيعة (شريعة موسى في لوحيها)، وقد نقشت فيما بعد بإصبعه على لوحي موسى وشرحت ببلاغة في كتب موسى (خروج 1:20 وما يتبع، تثنية 6:5 وما يتبع). ونميّز في سبيل التوضيح بين الشريعة الأخلاقية الموجودة في الوصايا العشر (أو اللوحين) والشريعة الطقسية التي تحدد عبادة الله وشعائرها والشريعة القضائية التي تتعلق بالأمور السياسية والعائلية.

الشريعة تامة وكاملة: نؤمن بان مشيئة الله في كليتها وجميع الوصايا الضرورية لكل نواحي الحياة تعلّم في هذه الشريعة، وإلا لما كان الرب منعنا من ان نضيف إليها أو ننقص منها، ولا كان أوصانا بأن نسير في طريق مستقيم أمام شريعته وألا نحيد عنها يمينا أو شمالا (تثنية 2:4 و32:12).

لماذا أعطيت الشريعة؟ نعلّم بان هذه الشريعة لم تعط للبشر لكي ينالوا البر بحفظها بل لكي نعرف من تعاليمها أننا ضعفاء وخطاة ومستوجبو الدينونة، فنيأس من قوتنا ونهتدي إلى المسيح بالإيمان. لأن الرسول يعلن جليا: “لأن الناموس ينشئ غضبا” وأيضا: “لأن بالناموس معرفة الخطية” (رومية 15:4 و20:3)وكذلك: “لأنه لو أعطي ناموس قادر ان يحيي لكان بالحقيقة البر بالناموس. لكن الكتاب (أي الناموس) أغلق على الكل تحت الخطية ليُعطي الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون.. إذا قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان”. (غلاطية 21:3 وما يتبع).

البشر لا يتممون الشريعة: لم يقدر ولا يقدر إنسان على إتمام شريعة الله بسبب ضعف جسدنا الذي يلتصق بنا ويبقى فينا حتى آخر نسمة، فالرسول يقول أيضا: “لأنه ما كان الناموس عاجزا عنه في ما كان ضعيفا بالجسد فالله… أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية” (رومية 3:8). إذا. المسيح غاية الشريعة وهو إتمامها لنا (رومية 4:10)، الذي “صار لعنة لأجلنا” (غلاطية 13:3) لكي ينزع عنا لعنة الشريعة. لذلك فإنه يمنحنا بواسطة الإيمان إتمامه للشريعة، وبحسب بره وطاعته لنا.

إلى أي مدى ألغيت الشريعة؟ لقد ألغيت شريعة الله إلى حد انها لم تعد تديننا ولا تعمل فينا غضبا، لأننا في زمن النعمة وليس في زمن الشريعة. وأيضا فان المسيح قد حقق كل رموز الشريعة. فعند مجيء الجسد يختفي الظل، فيكون لنا الآن في المسيح الحق وكلّ اكتمال. ولكننا لا نرفض الشريعة باحتقار لهذا السبب، لأننا نتذكر كلمات الرب حين قال: “لا تظنوا اني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل” (متى 17:5). نعلم انه قد أعطينا في الشريعة قياس فضائل ورذائل ونعلم ان الشريعة المكتوبة مفيدة للكنيسة حين تفسر الإنجيل، لهذا لا يجوز ان تلغى قراءتها في الكنيسة. فمع ان وجه موسى كان مغطى بحجاب فان الرسول يقول ان المسيح أخذ الحجاب وأزاله.

الشيع: ندين كل ما عمله الهراطقة الاقدمون والمحدثون ضد الشريعة.

الفصل الثالث عشر: في انجيل يسوع وفي المواعيد وفي الروح والحرف

مواعيد إنجيلية عند الاقدمين:  الإنجيل يتعارض مع الشريعة حقا، لأن الشريعة تعمل غضبا وتعلن لعنة بينما الإنجيل يبشر بالنعمة والبركة. يقول يوحنا: “لأن الناموس بموسى أعطي. اما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا”. (يوحنا 17:1). ومع ذلك فانه امر أكيد بأن الذين كانوا قبل الشريعة والذين ضعوا لها لم يكونوا محرومين من الانجيل كليا، لأنه كانت لهم مواعيد إنجيلية غير عادية مثل: “هو (نسل المرأة) يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه” (تكوين 15:3)، و”يتبارك في نسلك جميع أمم الأرض”. (تكوين 18:22) و”لا يزول قضيب من يهوذا … حتى يأتي” (تكوين 10:49)، “ويقيم لك الرب إلهك نبيا من وسطك من إخوتك مثلي” (تثنية 10:18 وأعمال 22:3) الخ.

المواعيد: ونعترف بان نوعين من المواعيد أُظهرا للآباء كما أظهرا لنا أيضا. فبعضها كان يتعلق بأمور حاضرة أو دنيوية مثل وعود أرض كنعان والانتصارات وكذلك أيضا وعد الخبز اليومي المستمر إلى اليوم. اما البعض الاخر فقد كان ولم يزل يتعلق بأمور سماوية أبدية، أي بالنعمة الإلهية وغفران الخطايا والحياة الأبدية من خلاب الإيمان بيسوع المسيح.

للآباء مواعيد روحية أيضا وليس دنيوية فقط: لقد كان للأقدمين مواعيد روحية وسماوية في المسيح وليس مواعيد خارجية ودنيوية فقط. يقول بطرس: الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء. الذين تنبأواعن النعمة التي لاجلكم”. (1بطرس 10:1). ولهذا يقول الرسول بولس أيضا: “انجيل الله الذي سبق فوعد به أنبيائه في الكتب المقدسة”. (رومية 2:1). وهكذا يظهر جليا ان الاقدمين لم يكونوا محرومين من الإنجيل الكامل.

ما هو الإنجيل بالتحديد؟ ومع ان الإنجيل كان للآباء في هذه الطريقة في كتابات الأنبياء وقد خلصوا به بالمسيح بواسطة الإيمان، فان الإنجيل الذي يدعى حقا الخبر السار والمفرح هو الذي كرز به لنا أولا من يوحنا المعمدان ثم من المسيح الرب ذاته. بعد ذلك كرز به الرسل وخلفاؤهم في العالم بان الله قد صنع ما وعد به منذ بدء العالم وأرسل لنا، بل أعطانا، ابنه الوحيد وبه أعطانا مصالحة مع الآب وغفران الخطايا وكل ملء الحياة وأبديتها. لذ يسمى “إنجيلا” حقا ذاك التاريخ الذي رسمه الإنجيليون الأربعة وشرحوا فيه كيفية حصول هذه الأمور أو كيف حققها المسيح، وما علمه وفعله، وان للذين يؤمنون به الملء. ان كرازة الرسل وكتاباتهم التي فيها يفسرون لنا كيف ان الابن أعطي لنا من الآب وأعطي فيه كل ما يتعلق بالحياة والخلاص تسمى  صوابا “التعليم الإنجيلي”. وهي تحافظ اليوم على لقبها السامي حيثما يكرز بها بصدق.

في الروح والحرف: هذه الكرازة بالإنجيل نفسها يسميها الرسول أيضا “الروح” و”خدمة الروح” لأنها بالإيمان تصير فعالة وحية في الآذان بل في قلوب المؤمنين بواسطة تنوير الروح القدس (2كورنثوس 6:3). لأن الحرف الذي يخالف الروح يشير إلى كل ما هو ظاهر وخصوصا ما هو من تعليم الشريعة التي من دون الروح والإيمان تصنع غضبا وتحرض على الخطيئة في نفوس الذين لا إيمان حي لهم. وفي هذا المجال يصح قول الرسول: “لأن الحرف يقتل ولكن الروح يحي” (2كورنثوس 6:3). لقد بشر أنبياء كذبة بانجيل محرف إذ خلطوه مع الشريعة كأن المسيح لا يستطيع ان يخلّص من دون الشريعة.

الشيع: هكذا قال الأبيونيون الذين يقال انهم منحدرون من أبيون Ebionالمهرطق، وأيضا الناصريون المسمون قبلا “الينيين” Mineans. ندينهم كلهم إذ نكرز بالإنجيل الصافي ونعلّم بان المؤمنين يبررون بالروح وحده لا بالشريعة. وسأتطرق بتفصيل إلى هذا الامر في الفصل المخصص “للتبرير”.

تعليم الإنجيل تعليم قديم لا تعليم جديد: ومع ان تعليم الإنجيل بالمقارنة مع تعليم الفريسيين عن الشريعة بد وكأنه تعليم جديد حين كرز المسيح به (مع العلم ان ارميا سبق وتنبأ بالعهد الجديد)، فانه كان ولم يزل تعليما قديما قدم العالم (ولو سماه البابويون اليوم جديدا بالنسبة للتعليم المقبول لديهم). لأن الله سبق وأعد من الأزل خلاص العالم بالمسيح وقد أظهر سابق اعداده هذا ومشورته الأزلية للعالم بواسطة الإنجيل (2 تيموثاوس 9:2 وما يتبع). لذا فانه واضح بان دين الإنجيل وتعليمه أقدم التعاليم لدى الذين كانوا ويكونون وسيكونون. ولهذا نقول ان كل من يقول بان دين الإنجيل وتعاليمه هي إيمان حديث المنشأ لا يعدو عمره الثلاثين سنة يرتكب خطأ مخزيا وينطق عارا عن مشورة الله الأبدية. عن هؤلاء قال النبي اشعياء: “ويل للقائلين للشر خيرا وللخير شرا الجاعلين الظلام نورا والنور ظلاما الجاعلين المرّ حلو والحلو مرا” (اشعياء 20:5).

الفصل الرابع عشر: في توبة الإنسان واهتدائه

ان تعليم التوبة مرتبط بالإنجيل، لأن الرب قال في الإنجيل: “ينبغي ..ان يكرز باسمه (المسيح) بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم” (لوقا 47:24(.

ما هي التوبة؟ التوبة تعني: 1-استرداد الذهن الصحيح في الإنسان الخاطئ من خلال إيقاظه بكلمة الإنجيل والروح القدس وقبوله بالإيمان الحق الذي بواسطته يقر الخاطئ مباشرة بفساده المتأصل وبكل خطاياه التي تدينه بها كلمة الله. 2- الحزن القلبي على الخطايا والأسفعليها والاعتراف الصادق بها امام الله بشعور من الخجل. 3- بغض الخطايا بسخط. 4- الافتكار الغيور بإصلاح الخاطئ لطرقه والسعي الدائم للطهارة والفضيلة لتدريب نفسه بضمير حي كل أيام حياته.

التوبة الحقيقية اهتداء إلى الله: وهذه هي التوبة الحقيقية: تحول صادق إلى الله والى كل صلاح والابتعاد الجاد عن الشيطان والشر.

1-  التوبة هبة من الله: نقول بصراحة ان هذه التوبة هي هبة خالصة من الله وليست عمل قوانا. فان الرسول يوصي الخادم الأمين ان يعلم باجتهاد كل الذين يعارضون الحق “عسى ان يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق” (2تيموثاوس 25:2).

2-  الحزن على الخطايا المرتكبة: ان المرأة الخاطئة التي غلست قدمي الرب بدموعها، وبطرس الذي بكى بكاء مرا ناح على نكرانه الرب (لوقا 38:7 و62:22)، يظهران جليا كيف ينبغي على الإنسان التائب ان يأسف على خطاياه التي ارتكبها.

3-  الاعتراف بالخطايا لله: وان الابن الشاطر والعشار في الإنجيل بالمقارنة مع الفريسي يظهران لنا كيف يجب الاعتراف بالخطايا لله. فقد قال الأول: “يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقا بعد ان ادعى لك ابنا. اجعلني كأحد أجراك”. (لوقا 18:15 وما يتبع). اما الثاني الذي لم يجرؤ ان يرفع عينيه نحو السماء”قرع على صدره قائلا اللهم ارحمني انا الخاطئ”. (لوقا 13:18). ولا نشك بان الله قبلهما إلى نعمته، لان يوحنا الرسول يقول: “ان اعترافنا بخطايانا فهو أمين عادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم. ان قلنا اننا لم نخطئ نجعله كاذبا وكلمته ليست فينا” (1يوحنا 9:1-10).

الاعتراف للكاهن وحل الخطايا:ولكننا نعتقد بان الاعتراف الصادق الذي يقام به الله وحده، اما سريا بين الله والخاطئ أو علنيا في الكنيسة في اعتراف جماعي، هو كاف، وانه ليس من الضروري من اجل نيل الغفران ان يعترف الإنسان بخطاياه  للكاهن هامسا إياها في أذنيه لكي يحصل على حل من الكاهن بوضع الأيدي، لأنه ليس ثمة وصية أو مثال عن ذلك في الكتاب المقدس. ان داود يشهد قائلا: “اعترف لك بخطيتي ولا اكتم إثمي. قلت اعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثامي وخطيتي”. (مزمور 5:32). والرب الذي علمنا ان نصلي ونعترف أيضا بخطايانا قال: “فصلوا انتم هكذا: أبانا الذي في السموات… واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا” (متى 9:6و12). لذلك انه من الضروري ان نعترف بخطايانا لله أبينا وان نتصالح مع قريبنا ان كنا أسأنا إليه. ويقول الرسول يعقوب عن هذا النوع من الاعتراف: “اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات” (16:5). اما إذا كان أحد مثقلا بحمل خطاياه وبالتجارب المقلقة وأراد ان يطلب مشورة وتعليما وراحة على انفراد اما من خادم الكنيسة أو من أي أخ مدرب في شريعة الله فلا نعارض ذلك. كما اننا نقبل كليا ذلك الاعتراف العلني العام بالخطايا الذي يُردد عادة في الكنيسة وفي اجتماعات العبادة، كما قلنا سابقا، بقدر ما هو موافق للكتاب.

في مفاتيح الملكوت السماوي: أما فيما يختص بمفاتيح ملكوت السموات التي أعطاها الرب لرسله فان كثيرين يتشدقون مثرثرين عن أمور عجيبة غريبة ويصنعون من المفاتيح سيوفا ورماحا وصولجانات وتيجان وسلطة كاملة على أعظم الممالك بل على الأنفس والأجساد. لكننا نقول بكل بساطة وعلى أساس كلمة الرب ان كل المدعوين خدام الله عن حق يملكون ويمارسون المفاتيح أو يستعملونها وذلك عندما يعلنون الإنجيل، أي عندما يعلمون ويحثون ويعزون ويوبخون ويحفظون تأديب الشعب المعهود به إليهم.

فتح الملكوت وإغلاقه: وهكذا يفتحون ملكوت السماوات للمطيعين ويغلقونه على العصاة. لقد وعد الرب بهذه المفاتيح للرسل في متى 16 وأعطاهم في يوحنا 20 ومرقس 16 ولوقا 24، حين أرسل التلاميذ وأوصاهم ان يكرزوا بالإنجيل في العالم أجمع وان يغفروا الخطايا.

خدمة المصالحة: يقول الرسول في الرسالة (الثانية) إلى أهل كورنثوس ان الرب أعطى خدمة المصالحة إلى خدامة (2كورنثوس 18:5 وما يتبع)، ثم يشرح ماذا يعني بذلك قائلا انها الكرازة أو التعليم بالمصالحة. وفي تفسير أوضح يضيف ان خدام  المسيح يتممون وظيفة سفير باسم المسيح،كأن الله ذاته يحث الناس بواسطة خدامه ان يتصالحوا معه بالطاعة الأمينة. لذلك فإنهم يمارسون المفاتيح حين يقنعون الناس ان يؤمنوا ويتوبوا. هكذا يصالحون الناس مع الله.

الخدام يغفرون الخطايا: بهذا يغفرون الخطايا وبهذا يفتحون ملكوت السماوات ويدخلون المؤمنين إليها. وهذا مختلف تماما عن الذين قال عنهم الرب في الإنجيل: “ويل لكم أيها الكتبة….. لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون الداخلين يدخلون”. (متى 13:23).

كيف يحل خدام الله من الخطايا؟   يحل خدام الله من الخطايا حقا وفعلا حين يكرزون بانجيل المسيح، وبالتالي بغفران الخطايا الموعود لكل فرد يؤمن تماما كما يعمد كل إنسان فرديا، وحين يشهدون ان هذه الأمور منوطة بكل فرد بشكل خصوصي.

ولا نقول ان هذا الحل من الخطايا يكون فعالا أكثر إذا ما همس في أذن أحدهم أو فوق رأسه. ولكننا نعتقد بوجوب الإعلان الجاهد عن غفران الخطايا بدم المسيح، ويجب ان يُنبه كل واحد ان غفران الخطايا يخصه شخصيا.

المثابرة على تجديد الحياة: ولكن أمثلة الإنجيل تعلمنا كم يجب ان يكون التائب متيقظا وجاهدا في السعي لتجديد الحياة وإماتة الإنسان القديم وإحياء الجديد. ان الرب قال للإنسان الذي شفاه من الشلل: “ها أنت قد برئت. فلا تخطئ أيضا لئلا يكون لك الشر”. (يوحنا 14:5). وكذلك قال للزانية التي حررها: “اذهبي ولا تخطئي أيضا” (يوحنا 11:8). طبعا لم يقصد بهذه الكلمات أنه باستطاعته الإنسان في هذه الحياة ان لا يخطئ ولكنه يوصي فقط بالجهاد والغيرة المتنبهة حتى نسعى بكل الوسائل ونسأل الله في الصلوات ان لا نعود إلى الخطايا التي أُقمنا منها، ولكي لا نُغلب من الجسد والعالم والشيطان. ان زكا العشار الذي قبله الرب إلى نعمته يهتف في الإنجيل: ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين وان كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف” (لوقا 8:19). لذا إننا نكرر أيضا ان التعويض والرأفة حتى الصدقة لازمة للتائبين حقا ونحث كل الناس في كل مكان بكلام الرسول: “إذا لا تملكنّ الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته. ولا تقدموا أعضاءكم آلات إثم للخطية بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر لله.” (رومية 12:6-13).     

أخطاء: لذلك ندين كل الأقوال الكافرة التي تصدر عن أولئك الذين يسيئون استعمال كرازة الإنجيل فيدّعون بأنه كم السهل الرجوع إلى الله وان المسيح كفر عن كل الذنوب وان غفران الخطايا سهل المنال. فما الضرر من الخطية؟ ولا احتياج لنا للاهتمام بالتوبة كثيرا الخ… ومع ذلك فإننا نعلم دوما ان المدخل إلى الله مفتوح لجميع الخطأة وأنه يغفر لهم كل الخطايا الا الخطيئة ضد الروح القدس (مرقس 29:3).

صكوك الغفران البابوية: ندين بشكل خاص التعليم المربح للبابا بخصوص العمل التكفيري ونستعين ضد سمعانيته وصكوك غفرانه السمعانية بما حكم بطرس على سمعان: لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت ان تقتني موهبة الله بدراهم. ليس لك نصيب ولا قرعة في هذا الامر لأن قلبك ليس مستقيما أمام الله” (أعمال 20:8-21).

التكفيرات: وأيضا لا نوافق على الذين يظنون أنهم يصلحون خطاياهم بتكفيرهم، لأننا نعلم ان المسيح وحده بموته أو آلامه هو الكفارة الكافية الوافية لكل الخطايا (اشعياء 53 و1كورنثوس 30:1). ولكن كما سبق وقلنا لا نكف عن الحث على إماتة الجسد، ولكننا نضيف ان هذه الأماتة لا يجوز ان توضع أمام الله كتكفير عن خطايا، بل تمارس بتواضع وبما يلائم كوننا أبناء الله، كطاعة جديدة نابعة من الامتنان للخلاص والتكفير التام الذي نلناه بموت ابن الله وكفارته.                                                

 الفصل الخامس عشر: في تبرير المؤمنين الحقيقي

ما هو التبرير؟أن يتبرر الإنسان- بحسب معالجة الرسول للتبرير- يعني ان يصفح عن خطاياه، وان يحل من الذنب والعقاب وان يحظى بنعمة ويعلن إنسانا بارا. فانه يقول في رسالته إلى اهل رومية: “الله هو الذي يبرر. من هو الذي يدين؟” (رومية 3:8). التبرير والدينون ضدان. وأيضا في أعمال الرسل يقول الرسول: “بهذا (أي بالمسيح) يُنادى لكم بغفران الخطايا وبهذا يتبرر كل من يؤمن من كل ما لم تقدروا ان تتّبرروا منه بناموس موسى”. (أعمال 38:13-39).

فإننا نقرأ في الشريعة وأيضا في الأنبياء: “إذا كانت خصومة بين أناس وتقدموا إلى القضاء ليقضي القضاء بينهم فليبرروا البار ويحكموا على المذنب”. (تثنية 1:25). وفي اشعياء: “ويل … للذين يبررون الشرير من اجل الرشوة” (23:5).

 نحن مبررون بسبب المسيح: من المؤكد أننا كلنا بالطبيعة خطاة وعديمو التقوى ومدانون أمام كرسي قضاء الله بسبب ذلك ومستحقون للموت، ولكن الله القاضي بررنا، أي حررنا من الخطيئة والموت، لا لأي استحقاق أو اعتبار لنا، بل بنعمة المسيح فقط. لقد قالها بولس بكل وضوح: “إذ الجميع اخطأوا وأعوزهم مجد الله متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح” (رومية 23:3-24).

التبرير المنسوب: لقد اتخذ المسيح خطايا العالم لنفسه وحملها وأرضى بذلك العدل الإلهي. وهكذا فان الله يتعطف علينا في مسألة خطايانا بسبب آلام المسيح وقيامته فقط، فهو لا يحسب خطايانا علينا بل يحسب برّ المسيح برنا (2كورنثوس 19:5 وما يتبع، رومية 25:4). لذا فنحن الآن لسنا انقياء مطهرين من الخطايا قديسين فحسب بل نحن ممنوحون برّ المسيح ومحررون من الخطيئة والموت والدينونة لنصير مبررين وورثاء حياة أبدية. ان الله وحده يبررنا ويفعل ذلك بسبب المسيح فقط ولا يحسب علينا خطايانا بل ينسب إلينا بر المسيح.

التبرير بالإيمان فقط: وبما اننا ننال هذا التبرير لا بالأعمال بل بالإيمان برحمة الله وفي المسيح لذلك نعلم ونؤمن مع الرسول بأن الإنسان الخاطئ يُبرّر بالإيمان بالمسيح فقط، لا بالشريعة ولا بالأعمال. لان الرسول يقول: “نحسب ان الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس” (رومية 28:3). وأيضا: “ان كان إبراهيم قد تبرر بالأعمال فله فخر ولكن ليس لدى الله. لان ماذا يقول الكتاب؟ فآمن إبراهيم بالله فحسب له برا… واما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر فإيمانه يحسب له برا” (رومية 2:4-3 و5، تكوين 6:15). وأيضا: “لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر احد” الخ. (افسس 8:2*9). وإذا فبما ان الإيمان يقتبل المسيح برنا ويعزوا كل شيء لنعمة الله في المسيح لذلك فإن التبرير يُعزى للإيمان بسبب المسيح خاصة وليس لنه عملنا. فالإيمان هبة من الله.

ننال المسيح بالإيمان: ثم ان الرب يظهر بوضوح أننا ننال المسيح بالإيمان، ففي يوحنا الفصل السادس يضع الرب الأكل موضوع الإيمان والإيمان موضوع الأكل، فكما اننا نحصل على الغذاء بالأكل كذلك نشترك في المسيح بالإيمان. ليس التبرير منسوبا جزئيا للمسيح أو للإيمان وجزئيا لنا: لذلك لا نشترك في فائدة التبرير بسبب نعمة الله أو المسيح من جهة وبسببنا، أي بسبب محبتنا وأعمالنا أو استحقاقاتنا من جهة أخرى، بل نعزوه كله إلى نعمة الله في المسيح بالإيمان. لأن محبتنا وأعمالنا لا يمكن ان تسر الله إذا ما قام بهما أناس غير أبرار لذا فمن اللازم ان نكون أبرارا قبل ان نقدر ان نحب ونعمل أعمالا صالحة. فإننا نُبرر، كما سبق وقلنا، بالإيمان بالمسيح بواسطة نعمة الله فقط، الذي لا يحسب علينا خطايانا بل يحسب لنا بر المسيح، أو يحسب لنا الإيمان بالمسيح برا. ثم ان الرسول يظهر جليا ان المحبة تنبع من الإيمان حين يقول: “اما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء”. (1تيموثاوس 5:1).

مقارنة يعقوب ببولس: ومن هنا نقول اننا لا نتحدث في هذه المسألة عن إيمان وهمي فارغ وكسول مائت بل عن إيمان حيّ محيي. ندعوه إيمانا حيا لأنه يلزم المسيح الذي هو الحياة ومحييها، ويظهر نفسه حيا بالأعمال الحية. لذا فان يعقوب لا يناقض شيئا من تعليمنا هذا، لأنه يتكلم عن إيمان فارغ ومائت تفاخر به أناس لم يكن المسيح حيا فيهم بالإيمان (يعقوب 14:2 وما يتبع). يقول يعقوب ان الأعمال تبرر ولكن دون مناقضة الرسول (وإلا فيجب رفضه) ولكنه يظهر ان إبراهيم أثبت إيمانه الحي البار بالأعمال. هكذا يفعل جميع المؤمنين ولكنهم يثقون بالمسيح وحده وليس بأعمالهم. لأن الرسول يقول أيضا: “فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ. فما أحياه الآن في الجسد فانما أحياه في الإيمان إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي. لست أبطل نعمة الله لأنه ان كان بالناموس بر فالمسيح إذا مات بلا سبب”. (غلاطية 20:2-21).    

 الفصل السادس عشر: في الإيمان والأعمال الصالحةومكانتها واستحقاق الإنسان

ما هو الإيمان؟ ليس الإيمان المسيحي رأيا أو اعتقادا بشريا بل هو ثقة راسخة وقبول عقلي ثابت، ومن ثم ادراك أكيد لحقيقة الله المعطاة في الكتاب وفي قانون إيمان الرسل وبالتالي ادراك الله ذاته، الخير الأعظم، وخصوصا لوعده وللمسيح الذي هو تحقيق كل الوعود.

الإيمان عطية من الله: ولكن هذا الإيمان هو عطية خالصة من الله، يعطيها من نعمته لمختاريه بقدر ما يشاء وحيثما يشاء ولمن يشاء. وهذا يتم بالروح القدس بواسطة كرازة الإنجيل والصلاة الثابتة.

ازدياد الإيمان: لهذا الإيمان ازدياد ولو لم يكن ذلك معطى من الله لما قال الرسل للرب “زد إيماننا” (لوقا 5:17). وكل هذه الأمور التي قلناها عن الإيمان علمها الرسل من قبلنا. فبولس قال: “أما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى” (عبرانيين 1:11). وأيضا يقول بولس ان كل مواعيد الله هي النعم في المسيح وفي المسيح هي الآمين (2كورنثوس 20:1). وأيضا: “قسم الله لكل واحد مقدارا من الإيمان” (رومية 3:12)؟ وأيضا: “لأن الإيمان ليس للجميع” و”ليس الجميع قد أطاعوا الإنجيل” (2تسالونيكي 2:3 ورمية 16:10). ويشهد لوقا أيضا قائلا: “وآمن جميع الذين كانوا معينين للحيوة الأبدية.” (أعمال 48:13). ولهذا يقول بولس عن الإيمان انه “إيمان مختاري الله” (تيطس 1:1). وأيضا: “إذا الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله” (رومية 17:10). وكذلك يحث الناس في أماكن أخرى على الصلاة من اجل الإيمان.

الإيمان فعّال وعامل: والرسول ذاته يدعو الإيمان إيمانا عاملا وفعالا بالمحبة (غلاطية 6:5)، فهو يسكّن الضمير ويفتح مدخلا لله حتى نقترب منه بثقة ونحصل منه على ما هو نافع وضروري. وهذا الإيمان يحفظنا في الخدمة التي ندين بها الله والقريب ويقوّي صبرنا في المحن، ويصوغ اعترافا حقيقيا، وباختصار ينتج ثمارا جيدة متنوعة وأعمالا صالحة.

في الأعمال الصالحة: اننا نعلّم ان الأعمال الصالحة تنبع حقا من إيمان حي بالروح القدس ويعملها المؤمنون بحسب مشيئة الله أو حكمه. فالرسول بطرس يقول: “وأنتم باذلون كل اجتهاد قدموا في ايمانكم فضيلة وفي الفضيلة معرفة وفي المعرفة تعففا” الخ (2بطرس 5:1-6). وكما قلنا سابقا ان شريعة الله، أي مشيئته، ترسم لنا مثال الأعمال الصالحة. ويقول الرسول: “لأن هذه هي إرادة الله قداستكم، ان تمتنعوا عن الزنا… ان لا يتطاول أحد ويطمع على أخيه في هذا الامر” (1تسالونيكي 3:4و6).

أعمال الاختيار البشري: ان الأعمال والعبادة التي نختارها اعتباطا لا تسر الله. فهذه يسميها بولس ”          eqleoqrhskeias     ” (كولوسي 23:2— “عبادة نافلة”). وعن أولئك قال الرب في الإنجيل: “باطلا يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس” (متى 9:15). لذلك فإننا لا نوافق على أعمال كهذه، وإنما نوافق ونحث على الأعمال التي يشاؤها الله ويوصي بها.

غاية الأعمال الصالحة: يجب الا يقام بهذه الأعمال الصالحة في سبيل الحصول على الحياة الأبدية بواسطتها، لأن الحياة الأبدية، كما يقول الرسول، هي عطية الله. ولا تعمل هذه الأعمال من اجل المباهاة التي يرفضها الرب في الفصل السادس من متى، ولا من اجل المكسب الذي يرفضه الرب في متى الفصل 23، وإنما من اجل مجد الرب لتزيين دعوتنا ولإظهار الامتنان لله ولمنفعة القريب. ويقول الرب في الإنجيل أيضا: “فليفض نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات”. (متى 16:5). والرسول بولس يقول: “اطلب إليكم.. ان تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتم بها” (افسس 1:4). وأيضا: “وكل ما عملتم بقول أو فعل فاعملوا الكل باسم الرب يسوع شاكرين الله والآب به”. (كولوسي 17:3). وكذلك: لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه بل كل واحد إلى ما هو لآخرين أيضا” (فيلبي 4:2). و”ليتعلم من لنا أيضا ان يمارسوا أعمالا حسنة للحاجات الضرورية حتى لا يكونوا بلا ثمر” (تيطس 14:3).

الأعمال الصالحة ليست مرفوضة:لذلك فمع ان اننا نعلم مع الرسول ان الإنسان يبرر بالنعمة بواسطة الإيمان بالمسيح وليس بالأعمال  الصالحة فاننا لا نعتبر الأعمال الصالحة بلا قيمة ولا ندينها. نعلّم ان الإنسان لا يتجدد بالإيمان ليكون كسولا متراخيا بل لكي يعمل أعمالا صالحة ونافعة بلا انقطاع. فالرب يقول في الإنجيل ان الشجرة الجيدة تنتج ثمارا جيدة (متى 33:12)، والذي يثبت فيّ يأتي بثمر كثير (يوحنا 5:15). ويقول الرسول: “لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها.” (افسس 10:2). وأيضا: “الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهّر لنفسه شعبا خاصا غيورا في أعمال حسنة.” (تيطس 14:2). لذلك ندين كل الذين يزدرون الأعمال الصالحة ويثرثرون عن عدم فائدتها وعن عدم الاهتمام بها.

لا نخلص بالأعمال: ومع ذلكن كما قلنا سابقا، لا نعتقد بأننا نخلص بالأعمال الصالحة أو بأنها ضرورية للخلاص وأن أحدا لم يخلص بدونها. لأننا بالنعمة وحدها وبحظوة المسيح مخلصون. اما الأعمال فيجب ان تبع بالضرورة من الإيمان ولكن الخلاص لا ينسب إليها بل إلى النعمة. ان قول الرسول معروف: “فان كان بالنعمة فليس بالأعمال. والا فليست النعمة بعد نعمة. وان كان بالأعمال فليس بعد نعمة والا فالعمل لا يكون بعد عملا” (رومية 6:11).

الأعمال الصالحة تسرّ الله: ان الله يُسرّ بالأعمال التي نعلمها بالإيمان ويستحسنها وان الذين يصنعون أعمالا صالحة معمولة من نعمة الله وبالروح القدس مقبولون من الله. لأن القديس بطرس يقول: “في كل امة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده” (أعمال 35:10). وبولس قال: “لم نزل مصلين وطالبين لأجلكم… لتسلكوا كما يحق للرب في كل رضى مثمرين في كل عمل صالح” (كولوسي 9:1و10).

نعلم الفضائل الحقة لا الفضائل الباطلة والفلسفية:وهكذا نعلّم بنشاط الفضائل الحقيقية لا الفلسفية والباطلة، ونعلّم الأعمال الصالحة والخدمة المسيحية الأصلية. وبقدر المستطاع نلح عليها ونحث جميع الناس عليها مستهجنين في الوقت نفسه كل كسل ورياء من أولئك الذين يمجدون الإنجيل ويعترفون به بشفاههم ويهينونه بحياتهم المشينة. اننا نضعهم في هذه المسألة امام وعيد الله الرهيب وثم امام مواعيده الغنية ومكافأته السخية، منذرين ومعزين وموبخين.

الله يكافئ الأعمال الصالحة: اننا نعلم ان الله يعطي جزاء وافرا لصانعي الأعمال الصالحة بحسب ما قاله النبي: “امنعي صوتك عن البكاء… لأنه يوجد جزاء لعملك”. (ارميا 16:31 واشعياء4). وقال الرب أيضا في الإنجيل: “افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات” (متى 12:5). كذلك: “ومن سقى احد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد… فالحق أقول لكم انه لا يضيع أجره” (متى 42:10). ولكننا لا نعزو هذا الأجر الذي يعطيه الرب إلى جدارة الإنسان الذي يناله وإنما إلى صلاح الله وسخائه وأمانته، الذي يعد ويعطي والذي لا يدين لأحد بشيء ولكنه يعد بإعطاء عباده المؤمنين أجرا ويعطيهم إياه في الوقت ذاته كي يمجدوه. ومن ثم فانه حتى في أعمال القديسين هناك الكثير من الأعمال التي لا تليق بالله وهي ناقصة، ولكن بما ان الله يقبل في نعمته ويضم أولئك الذين يصنعون أعمالا لأجل المسيح فانه يعطيهم الأجر الموعود. لان برّنا من جهة أخرى يمكن تشبيهه “كثوب عدة” (اشعياء 6:64). ويقول الرب في الإنجيل: “متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا اننا عبيد بطالون، لأننا انما عملنا ما كان يجب علينا”. (لوقا 10:17).

لا استحقاق للبشر: ومع اننا نعلّم بان الله يكافئ أعمالنا الحسنة فإننا في الوقت ذاته نعلّم مع أوغسطينوس بان الله لا يتوج فينا جدارتنا بل عطاياه. كذلك نقول ان كل أجر نناله انما هو نعمة أيضا وهو نعمة أكثر منه أجرا لان الخير الذي نعمل نعمله بواسطة الله أكثر مما نعمله بأنفسنا، ولأن بولس يقول: “أي شيء لك لم تأخذه؟ وان كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذه؟” (1كورنثوس 7:4). وهذا ما استخلصه الشهيد الطوباوي كبريانوس من هذا العدد: ينبغي الا نفتخر بشيء فينا لأن لا شيء لنا. لذلك ندين أولئك الذين يدافعون عن جدارة البشر بشكل تبطل معه نعمة الله.

 الفصل السابع عشر: في كنيسة الله الجامعة المقدسةوفي رأس الكنيسة الأوحد

 الكنيسة كانت وكائنة إلى الأبد: لأن الله أراد منذ البدء ان يخلص البشر ويأتوا إلى معرفة الحق (1تيموثاوس 4:2) فالكنيسة كانت وما تزال وستبقى ضرورية حتى انتهاء الدهر.

ما هي الكنيسة؟ الكنيسة جماعة المؤمنين التي دعيت أو جّمعت من العالم. أقول انها شركة جميع القديسين، أي شركة الذين يعرفون الإله الحق في المسيح المخلص معرفة حقيقية ويعبدونه ويخدمونه بحق، والذي يشتركون في كل منافعه المعطاة بالمسيح. انهم مواطنون جمهورية واحدة: المؤمنون هم مواطنو مدينة واحدة ويعيشون تحت رب واحد وقوانين واحدة وفي شركة واحدة في كل الأمور الصالحة. فان الرسول يدعوهم “رعية مع القديسين وأهل بيت الله” (افسس 19:2). ويسمى المؤمنين هنا على الأرض “قديسين” (1كورنثوس 1:4)، صار تقديسهم بدم ابن الله. ان بند قانون الإيمان القائل: أؤمن بكنيسة مقدسة جامعة، شركة القديسين” يجب فهمه على انه يتحدث عن هؤلاء القديسين.

كنيسة واحدة على مدى الأزمان:  بما ان الله واحد أبدا والوسيط بين الله والبشر واحد، يسوع المسيح، وراع واحد للقطيع كله ورأس واحد لهذا الجسد واخيرا روح واحد وخلاص واحد وإيمان واحد وعهد أو ميثاق واحد، فهناك بالتالي وبالضرورة كنيسة واحدة وحيدة.

الكنيسة الجامعة: ندعو هذه الكنيسة جامعة لأنها “عالمية” أي منتشرة في كل انحاء العالم وممتدة في كل العصور وليست محدودة بالأزمنة أو الأمكنة. لذلك ندين الدوناطيين Donatistsالذين حددوا الكنيسة حصرا ببعض نواحي أفريقيا. ولا نوافق الاكليروس الروماني الذي أشاع حديثا ان الكنيسة الرومانية وحدها جامعة.

أجزاء الكنيسة أو أشكالها: تقسم الكنيسة إلى أجزاء أو أشكال مختلفة، ليس لأنها منقسمة أو ممزقة في ذاتها بل لانها تتميز بتنويع الأعداد فيها.الكنيسة المجاهدة والمنتصرة: هناك الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة. الأولى. لا تزال تجاهد على الأرض وتحارب الجسد والعالم ورئيس هذا العالم، الشيطان، وأيضا الخطيئة والموت. واما الثانية، فحيث انها قد أعتقت هنا على الأرض فهي تنتصر في السماء مباشرة بعد غلبتها على كل هذه الأشياء وتفرح امام الرب. ومع ذلك فان ثمة شركة واتحاد بين الاثنتين.

الكنيسة المحلية: وفوق ذلك فان الكنيسة المجاهدة على الأرض تتألف من كنائس محلية عديدة. ولكن وحدة هذه الكنائس كلها ترتبط بوحدة الكنيسة الجامعة. ان الكنيسة المجاهدة تختلف في وضعها في ما قبل الشريعة أيام الآباء عن وضعها وهي تحت موسى بالشريعة وكذلك عنها بالمسيح بواسطة الإنجيل.

الشعبان: يعدّ على العموم ان هناك شعبين، اسرائيلين وأممين، أو الذين جّمعوا من اليهود والأمم إلى الكنيسة. وهناك أيضا عهدان، عهد قديم وعهد جديد. الكنيسة هي ذاتها للشعبين القديم والجديد: من كل هؤلاء شركة واحدة وخلاص واحد في المسيح الواحد الذي فيه نتحد معا في إيمان واحد كأعضاء في جسد واحد، متشاركين في المأكل والمشرب الروحيين ذاتهما. ولكننا نقر بتنوع الأزمنة وتعدد الدلائل إلى المسيح الموعود والمعطى. وإذ قد انتهت الشعائر الآن فالنور يشرق بوضوح أكثر وقد أعطينا البركات بوفرة أكثر وحرية أكمل.

الكنيسة هيكل الإله الحي: تدعى هذه الكنيسة المقدسة هيكل الإله الحي فهي مبنية من حجارة حية روحية ومؤسسة على صخر ثابت على أساس لا يمكن ان يضعه آخر. لذلك تدعى “عمود الحق وقاعدته” (1تيموثاوس 15:3). الكنيسة لا تضل: لا تضل الكنيسة طالما انها تقوم على صخرة المسيح وعلى أساس الأنبياء والرسل. ولا عجب إذا ضلت كلما تخلت عن الذي هو وحده الحق. الكنيسة عروس وعذراء: تدعى الكنيسة أيضا “عذراء” وعروس المسيح وأيضا الحبيبة الوحيدة. فان الرسول يقول: “لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح” (2كورنثوس 2:11). الكنيسة رعية خراف: تدعى الكنيسة أيضا رعية خراف تحت راع واحد، المسيح، بحسب حزقيال الفصل 34 ويوحنا الفصل 10. الكنيسة جسد: كما انها تسمى جسد المسيح لان المؤمنين أعضاء حية في المسيح وهم يخضعون للمسيح الرأس.

المسيح رأس الكنيسة الأوحد: ان الأفضلية في الجسد هي للرأس ومنه يستمد الجسد كله الحياة. وبروحه يحكم الجسد في كل شيء ومنه أيضا ينال الجسد الازدياد لكي ينمو. وأيضا هناك رأس واحد للجسد وهو ملائم له. لذلك فلا يمكن ان يكون للكنيسة رأس آخر غير المسيح. فكما ان الكنيسة هي جسد روحي ينبغي أيضا ان يكون لها رأس روحي متناغم معها. ولا يمكن ان تُحكم بروح غير روح المسيح. لذلك يقول بولس: “وهو رأس الكنيسة. الذي هو البداءة بكر من الأموات لكي يكون هو متقدما في كل شيء” (كولوسي 18:1). وفي موضوع آخر: ان المسيح أيضا رأس الكنيسة. وهو مخلص الجسد”. (افسس 23:5). وأيضا: “إياه جعل رأسا فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده ملء الذي يملأ الكل في الكلّ” (افسس 22:1-23). أيضا : “ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح. الذي منه كل الجسد مركبا معا ومقترنا بمؤازرة كل مفصل حسب عمل على قياس كل جزء يحصّل نمو الجسد لبنيانه في المحبة.” (افسس 15:4-16). لذلك لا نوافق على تعليم الاكليروس الروماني الذي يجعل البابا في رومية الراعي العالمي والرأس الأعظم للكنيسة المجاهدة هنا على الأرض، وبهذا يكون على زعمهم نائب المسيح ذاته الذي له ملء السلطة والسيادة في الكنيسة.

المسيح راعي الكنيسة الوحيد: اننا نعلّم ان المسيح الرب كان ولا يزال الراعي العالمي والحبر الأعظم امام الله الآب، وانه في الكنيسة يمارس مهام الأسقف أو الراعي حتى انتهاء العالم. لذلك لا يحتاج إلى نائب عنه في غيابه، لأن المسيح حاضر في كنيسته وهو رأسها المعطي الحياة. لا أولية في الكنيسة: لقد منع (المسيح) رسله واتباعهم ان يكون لهم أولية وسيادة في الكنيسة. فمن لا يرى ان الذين يناقضون ويعارضون هذه الحقيقة الجلية يجب ان يُعدّوا بين أولئك الذين تنبأ عنهم رسل المسيح: بطرس في 2 بطرس 2 وبولس في أعمال 2:20 و2 كورنثوس 2:11 و2 تسالونيكي 2 وأيضا في أمكنة أخرى؟

لا فوضى في الكنيسة: لكننا إذ نتخلص من رأس روماني فإننا لا نجلب الفوضى أو عدم الترتيب إلى الكنيسة لأننا نعلّم ان إدارة الكنيسة المعطاة لنا من الرسل كافية لتحفظ الكنيسة في ترتيب لائق. فان الكنيسة منذ البدء لم يكن فيها رأس روماني ليحفظ النظام فيها ولم تكن بلا ترتيب أو مشوشة. ان الرأس الروماني يحافظ على استبداده والفساد اللذين دخلا الكنيسة، وهو في الوقت ذاته يمنع ويقاوم ويضع حدا بكل قوته للإصلاح اللازم للكنيسة.

النزاعات والانشقاقات في الكنيسة:  يعيروننا بان الانشقاقات والنزاعات في كنائسنا كثرت منذ انفصالها عن كنيسة روما. لذلك (يقولون) لا يمكن ان نكون كنائس حقا. وكأنه لم يكن أبدا في كنيسة روما أية شيع أو اختلافات ومقارعات بخصوص العبادة وكانت تجري ليس فقط في المدارس بل من على المنابر وفي وسط الشعب. نعلم حقا ان الرسول قال: “الله ليس اله تشويش بل اله سلام” (1كورنثوس 33:14) وأيضا: “إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق ألستم جسديين”. (1كورنثوس 3:3). ولكننا لا نستطيع ان ننفي وجود الله في الكنيسة الرسولية وكونها كنيسة حقيقية حتى مع وجود صراعات وانشقاقات فيها. فان الرسول بولس وبخ الرسول بطرس (غلاطية 11:2 وما يتبع)، وبرنابا خالف بولس. وقد حصل خصام كبير في كنيسة إنطاكية بين الكارزين بالمسيح الواحد، كما يدون لوقا في أعمال الرسل 15. وقد حدثت مشاجرات كبيرة في الكنيسة في كل الأوقات وقد اختلف أعظم معلمي الكنيسة فيما بينهم حول أمور مهمة دون ان تنقطع الكنيسة عن كونها كنيسة بسبب هذه الخصامات. لأنه يسر الله ان يستعمل الخلافات الناشئة في الكنيسة لمجد اسمه، لإظهار حقه وليكون المزكّون ظاهرين (1كورنثوس 19:11).

في علامات الكنيسة الحقة أو دلائلها: ومن ثم، كما اننا لا نقر برأس آخر للكنيسة غير المسيح كذلك لا نعترف بأية كنيسة لمجرد ادعائها انها كنيسة حقة. ولكننا نعلّم ان الكنيسة الحقة هي التي توجد فيها الدلائل أو العلامات للكنيسة الحقة، أي الكرازة الصادقة الشرعية بكلمة الله كما سُلمت إلينا في اسفار الأنبياء والرسل وكلها تقودنا إلى المسيح القائل في الإنجيل: خرافي تسمع صوتي وأنا اعرفها فتتبعني وأنا أعطيها حياة أبدية. اما الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه لأنها لا تعرف صوت الغرباء” (يوحنا 27:10-28و5).

والذين هم كذلك في الكنيسة لهم إيمان واحد وروح واحد، لذلك يعبدون إلها واحدا وإياه وحده يعبدون بالروح والحق ويحبونه من كل قلوبهم وقدرتهم ويصلون إليه وحده بواسطة يسوع المسيح، الشفيع والوسيط الوحيد ولا يسعون للبر والحياة خارج المسيح والإيمان به. ولأنهم يعترفون بالمسيح الرأس الأوحد والأساس الوحيد للكنيسة، يركنون إليه ويجددون أنفسهم يوميا بالتوبة ويحملون بصبر الصليب الملقى عليهم. وفي اتحادهم مع كل أعضاء المسيح بمحبة صادقة يظهرون انهم تلاميذ المسيح بالحفاظ على رباط السلام والوحدة المقدسة. وفي الوقت ذاته يشتركون في الأسرار المؤسسة من المسيح والمعطاة لنا من رسله، مستعملينها بالطريقة ذاتها التي استعملوها من الرسل. فان قول الرسول معروف لدى الجميع “لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضا” (1كورنثوس 23:11). لهذا نعتبر غرباء عن كنيسة المسيح الحقيقية كل الكنائس التي ليست كما يجب ان تكون وندينها مهما تباهت بتسلسل الأساقفة والوحدة والأقدمية. ولنا أيضا وصية من الرسل ان “نهرب من عبادة الأوثان” (1كورنثوس 14:10 و 1يوحنا 21:5). وان نخرج من بابل وان لا تكون لنا شركة معها الا إذا أردنا ان نشترك معها في كل ضرباتها (رؤيا 4:18 و2 كورنثوس 17:6).

لا خلاص خارج كنيسة الله: ولكننا نعتبر ان للشركة مع كنيسة المسيح الحقة أهمية قصوى لدرجة أننا ننكر ان باستطاعة البعض ان يقفوا امام الله وهم ليسوا في شركة مع كنيسة الله الحقة بل منفصلون عنها. فكما انه لم يكن هناك خلاص خارج فلك نوح حين هلك العالم بالطوفان كذلك نؤمن ان لا خلاص أكيد خارج المسيح الذي يعطي ذاته ليتمتع به المختارون في الكنيسة. لذلك نعلم ان الذين يبغون الحياة يجب الا ينفصلوا عن كنيسة المسيح الحقة.    

الكنيسة ليست مقيدة بعلاماتها: ومع ذلك لا نحصر الكنيسة بعلاماتها بشكل ضيق، بحيث نعلّم ان جميع أولئك الذين اما يشتركون في الأسرار، ليس عن قصد أو عن احتقار على الأقل، بل لضرورة خارجة عن إرادتهم اضطروا إلى الامتناع عنها أو إلى ان يُحرموا منها، أو أولئك الذين يضعف إيمانهم أحيانا دون ان ينطفئ كليا أو ينتهي تماما، أو الذين عندهم نواقص أو أخطاء، هم خارج الكنيسة. لأننا نعلم ان لله أصدقاء في العالم خارج نطاق إسرائيل. نعلم ما أصاب شعب الله في الاسر البابلي حيث حرموا من ذبائحهم لمدة سبعين سنة. ونعلم ما حدث للقديس بطرس الذي أنكر سيده وما يحصل يوميا لمختاري الله والشعب المؤمن الذي يتيه ويضعف. ونعلم أي نوع من الكنائس كانت كنائس غلاطية وكورنثوس أيام الرسل حيث وجد الرسول عيوبا وتعديات كثيرة ولكنه مع ذلك يدعوهم كنائس المسيح المقدسة (1كورنثوس 2:1 وغلاطية 2:1).

تبدو الكنيسة أحيانا وكأنها منقرضة: نعم، ان الله يسمح في بعض الأحيان بقضائه العادل ان تُحجب حقيقة كلمته وتهزم فتبدو الكنيسة منقرضة تقريبا وغير موجودة، كما نرى انه حصل في أيام ايليا (ملوك الأول 10:19 و14) وفي أوقات أخرى. ولكن لله في هذا العالم عباده الحقيقيون وهم ليسوا بقلة بل سبعة آلاف وأكثر (ملوك أول 18:19 ورؤيا 3:7 وما يتبع). فان الرسول يقول “أساس الله الراسخ قد ثبت إذ له هذا الختم” (2نتيموثاوس 19:2). لهذا يمكن تسمية كنيسة الله غير منظورة، ليس لأن البشر الذين منهم تتكون الكنيسة هم غير منظورين بل لأنهم محجوبة عن نظرنا ومعروفة لدى الله وحده، فهي تفوق الفهم الإنساني بسريتها.

ليس كل الذين في الكنيسة هم من الكنيسة: وأيضا ، ليس جميع المحسوبين في عداد الكنيسة قديسين وأعضاء أحياء وأمناء فيها. ففيها مرائون كثيرون يسمعون كلمة الله ظاهرا ويقبلون الأسرار خارجيا ويظهرون انهم يصلون لله بواسطة المسيح وحده ويمارسون واجبات المحبة، وأيضا يتحملون بصبر المصائب وقتيا. ولكنهم، داخليا، فاقدون إنارة الروح القدس الحقة والإيمان وصدق القلب والثبات حتى المنتهى. وفي نهاية الامر فان أطباع هؤلاء الناس ستظهر. لأن الرسول يوحنا يقول: “منا خرجوا لكنهم لم يكونوا منا. لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا لكي يظهروا أنهم ليسوا جميعهم منا” (1يوحنا 19:2). ومع انهم حين يتظاهرون بالتقوى ليسوا من الكنيسة فانهم محسوبون في الكنيسة تماما كما ان الخونة يحسبون مواطنين في بلد ما قبل ان يكتشفوا. وكما ان الزوان أو العصافة توجد بين الحنطة، والانتفاخ والورم يوجدان في الجسم السليم في حين انهما عاهتان وليستا أعضاء حقيقية في الجسم. ولذلك فانه من المناسب تشبيه الكنيسة بشبكة تمسك أنواع كثيرة من السمك وبحقل توجد فيه حنطة وزوان (متى 24:13 وما يتبع و47 وما يتبع).  

يجب عدم الحكم مسبقا بتسرع: لذلك يجب ان نحذر من الحكم المسبق ومن محاولة إقصاء أو رفض أو فصل أولئك الذين لا يريدهم الرب ان يقصوا أو يرفضوا والذين لا نستطيع ازاحتهم دون خسارة للكنيسة. من ناحية أخرى يجب ان نكون متيقظين لئلا ينسل الأشرار عند نيام الأبرار ويضرون الكنيسة.

وحدة الكنيسة ليست في طقوس خارجية: وكذلك نعلّم انه يجب أخذ جانب الحيطة في المسائل التي تتعلق بحقيقة الكنيسة ووحدتها لئلا نثير ونغذي الانشقاقات بتهور. ان الوحدة لا تكمن في الطقوس والشعائر الخارجية وإنما في حقيقة الإيمان الجامع ووحدته. والإيمان الجامع لم يعط لنا بشرائع بشرية بل بالأسفار المقدسة التي توجز في قانون إيمان الرسل. ولهذا نقرأ فيما كتب الكاتب الاقدمون انه وجد تعدد في الطقوس ولكنهم كانوا أحرارا ولم يظن أحد ان وحدة الكنيسة أزيلت بسبب ذلك. لذلك اننا نعلم ان الانسجام الحقيقي في الكنيسة يكمن في التعليم وفي الكرازة المنسجمة الحقيقية الصادقة بانجيل المسيح، وفي الطقوس التي أعطيت لنا بوضوح من الرب. وهنا نشدد على قول الرسول: “فليفتكر هذا جميع الكاملين منا وان افتكرتم شيئا بخلافه فالله سيعلن لكم هذا أيضا”. واما ما ادركناه فلنسلك بحسب ذلك القانون عينه ونفتكر ذلك عينه”. (فيلبي 15:3-16).

الفصل الثامن عشر: في خدام الكنيسة: تأسيسهم وواجباتهم

يستخدم الله خداما في بناء الكنيسة: لقد استعمل الله دوما خداما لتأسيس كنيسة أو دعوتها لذاته ولأجل إدارتها والحفاظ عليها. وهكذا يستخدم الآن وسيستخدم  خداما طالما ان الكنيسة موجودة على الأرض. ان بدء وظيفة الخدام، إذن، وتأسيسها ترتيب قديم جدا يعود إلى الله ذاته وهو ليس ترتيبا بشريا جديدا.

إقامة الخدام ومنشأ الخدمة: ان الله يستطيع حقا بقدرته وبدون أي سلطة ان يجمع لنفسه كنيسة من بين البشر، ولكنه آثر ان يتعاطى مع البشر بواسطة خدامه البشر. لذلك فانه يجب الا يعتبر الخدام خداما بحد ذاتهم فقط بل خدام الله بقدر ما يُحدث الله خلاص البشر بواسطتهم.

 عدم احتقار الخدمة: لذلك نحذر الناس لئلا نعزو ما يتعلق باهتدائنا وتعليمنا إلى قوة الروح القدس السرية لدرجة اننا نبطل دور الخدمة الكنسية. لأن من الضروري ان نفتكر بكلمات الرسول: “كيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به وكيف يسمعون بلا كارز؟ إذا الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله.” (رومية 14:10و17). وأيضا نفتكر بما قاله الرب في الإنجيل: “الحق الحق أقول لكم الذي يقبل من أرسله يقبلني والذي يقبلني يقبل الذي أرسلني”. (يوحنا 20:13).وهناك أيضا الرجل المكدوني الذي ظهر لبولس في رؤية- وهو في آسيا- قائلا: اعبر إلى مكدونية وأعنا”. (أعمال 9:16). وقال الرسول ذاته أيضا في موضع آخر: “فإننا نحن عاملان مع الله وانتم فلاحة الله. بناء الله.” (1كورنثوس 9:3).

ولكن، من جهة أخرى، يجب ان لا نعزوا أهمية كبيرة جدا للخدام وللخدمة، ذاكرين هنا أيضا كلمات الرب في الإنجيل: “ولا يقدر ان يقبل إليّ ان لم يجتذبه الآب الذي أرسلني” (يوحنا 44:6). وأيضا كلام الرسول: “فمن هو بولس ومن هو ابلّوس. بل خادمان آمنتم بواسطتهما وكما أعطى الرب لكل واحد. انا غرست وابلّوس سقى لكن الله كان ينمي”. (1كورنثوس 5:3-6). الله يحرك قلوب البشر: لذلك فلنصدق ان الله يعلمنا بكلمته، خارجيا بواسطة خدامه وداخليا يحرك قلوب المختارين للإيمان بالروح القدس، وهكذا ينبغي تقديم كل المجد لله من اجل نعمته الكاملة هذه. وقد تحدثنا عن هذه المسألة في الفصل الأول من هذا الشرح.

من هم الخدام ومن أي نوع أعطاهم الله للعالم: ان الله استخدم منذ بدء الخليقة أفضل الناس في العالم كله (وان كان كثيرون منهم بسطاء في الحكمة الدنيوية أو الفلسفة ولكن متفقون في اللاهوت والحق)، أعني، الآباء الذين كلمهم تكرارا بواسطة الملائكة. لان الآباء كانوا أنبياء عصرهم ومعلميه، لذلك أراد الله ان يحيوا لعدة قرون لكي يكونوا مثل آباء وأنوار العالم. وقد جاء من بعدهم موسى والأنبياء الذين اشتهروا في كل انحاء العالم.

المسيح المعلم: وأرسل الآب السماوي من بعدهم ابنه الوحيد، المعلم الكامل للعالم كله وفيه أخفيت حكمة الله وقد أتت إلينا في أقدس التعاليم وأبسطها وأكملها. فإنه اختار لنفسه تلاميذ وجعلهم رسلا. وخرج هؤلاء إلى العالم اجمع وكوّنوا كنائس في كل مكان بكرازة الإنجيل، ومن ثم عينوا في كل الكنائس رعاة أو معلمين بحسب وصية المسيح. وحكم المسيح الكنيسة وعلّمها بواسطة خلفائهم حتى هذا اليوم. فكما ان الله أعطى شعبه القديم آباء مع موسى والأنبياء كذلك أرسل لشعبه في العهد الجديد ابنه الوحيد ومعه رسلا ومعلمين في الكنيسة.

خدام العهد الجديد: لخدام العهد الجديد أسماء مختلفة. يُدعون رسلا وانبياء ومبشرين وأساقفة وشيوخا ومعلمين (1كورنثوس 28:12 وافسس 11:4). الرسل: لم يمكث الرسل في مكان واحد معين بل كونوا في جميع انحاء العالم كنائس مختلفة. ولما أُسست تلك الكنائس لم يعد هناك رسل، فأخذ الرعاة مكانهم كل في كنيسته. الأنبياء: كان الأنبياء فيما مضى “رائين”، يعرفون المستقبل ولكنهم كانوا أيضا يفسرون الأسفار. ان أناس كهؤلاء موجودون اليوم أيضا. المبشرون: لقد سمي كاتبوا تاريخ الإنجيل مبشرين (أو إنجيليين)لكنهم أيضا رسل انجيل المسيح. لذا يحث بولس تيموثاوس قائلا: “اعمل عمل المبشر.” (2تيموثاوس 5:4). الأساقفة: الأساقفة هم الناظرون والرقباء في الكنيسة الذين يدبرون الطعام والاحتياجات في حياة الكنيسة. الشيوخ: الشيوخ Presbytersهم الأعيان والآباء في الكنيسة يديرونها بمشورة سليمة. الرعاة: يحفظ الرعاة رعية الرب ويزودونها بما تحتاج إليه. المعلمون: يدرس ويعلم المعلمون الإيمان الحق والتقوى. لهذا يمكن ان يدعى خدام الكنيسة الآن أساقفة وشيوخا ورعاة ومعلمين.

المراتب البابوي:لقد أدخلت على كنيسة الله في زمن لاحق أسماء خدم كنيسة كثيرة. فعين البعض بطاركة وآخرون رؤساء أساقفة، وغيرهم أساقفة معاونين، ورتب أخرى مثل متروبوليت ورؤساء شمامسة وقندلفت ومعوذين ومرتلين وبوابين واسماء أخرى مثل كرادلة ومدراء ورؤساء أديرة وآباء كبار وصغار ومراتب علوية وأخرى دانية. ولكن كل هذه لا تزعجنا ولا تقلقنا مسألة كيف كانوا فيما مضى وكيف هم الآن. ان التعليم الرسولي عن الخدم كاف.   

في الرهبان: بما اننا نعلم يقينا ان الرهبان والراهبات أو فرقها لم يؤسسها المسيح ولا الرسل نعلّم انهم بلا فائدة لكنيسة الله، لا بل هم ضرر عليها. فمع انهم كانوا في أوقات سابقة مقبولين (لما كانوا نساكا يعيلون أنفسهم بعمل أيديهم ولا يشكلون عبئا على أحد، وإنما كانوا كعامة المؤمنين في كل مكان مطيعين لرعاة كنائسهم)، فان العالم كله أصبح الآن يرى ويعلم ما هم. انهم يؤدون نذورا ما ولكنهم يعيشون حياة مناقضة لها تماما حتى ان افضلهم ينطبق عليه قول الرسول: “لأننا نسمع قوما يسلكون بينكم بلا ترتيب لا يشتغلون شيئا بل هم فضوليون” الخ (2 تسالونيكي 11:3). لذلك ليس في كنائسنا أمثال هؤلاء ولا نعلم انه ينبغي ان يكونوا في كنائس المسيح.

الخدام يدعون ويختارون:  لا يحق لإنسان ان يختلس شرف الخدمة الكنسية، أي ان يستولي عليه لذاته بالرشوة أو بالخداع أو باختياره الإرادي. ولكن ليُدع خدام الكنيسة وليُختاروا بالاقتراع الكنسي القانوني، أي يجب ان يُختاروا بعناية من الكنيسة أو من مندوبيها لهذه الغاية بنظام حسن وبدون شغب وخصام وتنافس. لا يحق لأي كان ان يُنتخب بل يُنتخب الأشخاص القديرون فقط المتميزون بثقافة مكرسة كافية وفصاحة تقية وحكمة بسيطة وأخيرا بالاعتدال والسمعة الشريفة بحسب تلك القاعدة الرسولية التي جمعها الرسول في 1 تيموثاوس3 وتيطس1.

الرسامة: وعلى الذين ينتخبون ان يُرسموا من الشيوخ في صلاة علنية وبوضع الأيدي. وهنا ندين كل الذين يتصرفون بحسب مزاجهم دون ان يكونوا مدعوين أو مرسلين أو مرسومين (ارميا 23). ندين الخدام غير الصالحين وغير الموهوبين بهبات الراعي الضرورية.

وفي الوقت ذاته نعترف ان البساطة التي لا تضر عند بعض الرعاة في الكنيسة الأولى نفعت الكنيسة في بعض الأحيان أكثر من ثقافة غيرهم المتعددة الجوانب والرفيعة والأنوفة والباطنية. لذلك لا نرفض حتى في هذه الأيام بساطة بعضهم الصادقة التي ليست هي بساطة جاهلة أبدا.

كهنوت جميع المؤمنين: ان رسل المسيح يدعون جميع المؤمنين بالمسيح كهنة” ولكن ليس بسبب وظيفة ما بل بما ان جميع المؤمنين جُعلوا ملوكا وكهنة نقدر ان نقدم ذبائح روحية لله بواسطة المسيح (خروج 6:19 و1بطرس 9:2 ورؤيا 6:1). لذلك فان الكهنوت والخدمة مختلفان بعضهما عن البعض. لأن الكهنوت هو لكل المؤمنين ولكن ليس كذلك الخدمة. فنحن لم نلغ خدمة الكنيسة إذ رذلنا الكهنوت البابوي من كنيسة المسيح.

الكهنة والكهنوت: ليس بعد في العهد الجديد للمسيح كهنوت بالمعنى الذي كان قائما في الشعب القديم، حين كان هناك مسح خارجي ولباس مقدس وشعائر كثيرة ترمز إلى المسيح الذي ألغاها جميعها بمجيئه وإتمامه لها. ولكنه يبقى هو الكاهن الوحيد إلى الأبد، ولكي لا ننتقص شيئا منه لا نطلق اسم كاهن على أي خادم، لأن الرب ذاته لم يطلق تسمية كاهن على أي خادم. ولان الرب ذاته لم يعين كهنة في كنيسة العهد الجديد يستمدون سلطانهم من الأسقف المساعد لتقديم الذبائح يوميا، أي جسد الرب ودمه الحقيقيين من اجل الأحياء والأموات، وإنما عين خداما للتعليم ولاجراء الأسرار.

مزايا خدام العهد الجديد: يشرح بولس الرسول ببساطة واختصار كيف يجب ان ننظر إلى خدام العهد الجديد أو الكنيسة المسيحية وما يجب ان ننسب إليهم: “هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح ووكلاء سرائر الله.” (1كورنثوس 1:4). فالرسول، إذن، يريدنا ان نفتكر بالخدام كخدام. يسميهم الرسول    uphretaV، أي جاذفين وهم يشخصون بأعينهم على الربان. وهم أناس لا يحيون لذواتهم أو بحسب مشيئتهم بل من اجل غيرهم، أي أسيادهم. ويعتمدون كليا على أوامرهم لأن كل خادم في الكنيسة مأمور في كل واجباته ان ينفذ ما تسلمه وصية من ربه فقط وليس له ان يختار كما يشاء. وواضح جدا في هذه المسألة من هو الرب، أي المسيح، الذي ينبغي للخدام ان يخضعوا له في كل مسائل الخدمة.  

 الخدام وكلاء أسرار الله: ويضيف الرسول في إتمام شرحه عن الخدمة ان خدام الكنيسة هم مدبّرون أسرار الله ووكلاؤها. ويدعو بولس أسرار الله في أمكنة كثيرة- منها أفسس 3- انجيل المسيح. وكذلك فان اسرار المسيح يسميها الكتّاب الاقدمون “اسرارا”. فان الخدام المدعوون لهذه الغابة. أي للكرازة بانجيل المسيح للمؤمنين ولاجراء الأسرار. ونقرأ في مكان آخر في الإنجيل عن “الوكيل الأمين الحكيم” الذي أقامه “سيده على خدمه ليعطيهم العلوفة في حينها” (لوقا 42:12). وأيضا نجد في الانجيل قصة الرجل الذي سافر إلى بلد بعيد تاركا بيته وأمواله وسلطته مع خدامه ولكل عمله.

سلطان خادم الكنيسة: من المناسب ان نقول شيئا عن سلطان خدام الكنيسة وواجباتهم. لقد أصر البعض بشدة على هذا السلطان واخضعوا له كل شيء على الأرض، حتى أعظم الأمور وبذلك ناقضوا وصية الرب الذي منع السلطان على تلاميذه وأوصاهم صوابا بالتواضع (لوقا 24:22 وما يتبع ومتى 3:18 وما يتبع و25:20 وما يتبع). ثمة سلطان آخر مطلق كليا يسمى سلطان الحق. بحسب هذا السلطان تخضع كل الأشياء في العالم للمسيح، رب الجميع، كما شهد هو ذاته حين قال: “دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض” (متى 18:28)، وأيضا: “انا هو الأول والآخر والحي وكنت ميتا وها انا حيّ إلى أبد الآبدين آمين ولي مفاتيح الهاوية والموت.” (رؤيا17:1-18). وكذلك: “له مفتاح داود الذي يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا احد يفتح.” (رؤيا 7:3).

        الرب يحتفظ بالسلطان الحقيقي لذاته: يحتفظ الرب بهذا السلطان لذاته ولا يعطيه لغيره حتى لا يقف مشاهدا خدامه يعملون.فان اشعياء يقول: “واجعل مفاتيح بيت داود على كتفيه” (اشعياء 22:22)، وأيضا: “وتكون الرياسة على كتفه” (اشعياء 6:9)، لأنه لا يجعل الرياسة على كتف أناس آخرين بل يحتفظ بها ويستخدم سلطانه ليحكم على كل الأشياء.

        سلطان الوظيفة والخادم: ثم ان هناك سلطة وظيفة أو خدمة يحددها ذاك الذي يملك السلطة الكاملة المطلقة. وهذه خدمة أكثر مما هي سلطان. المفاتيح: ان رب المنزل يعطي سلطة لوكيله ويعطيه المفاتيح لكي يدخل أو يغلق على من يريده ربالمنزل ان يدخلأو انلايدخل. فبهذه السلطة وبحكم وظيفته يقوم الخادم بما أوصاه به السيد، والسيد يثبته في ذلك ويشاء ان ينظر إلى ما يعمله الوكيل ويعتبر كأنه هو الذي عمله. فهذا ما تشير إليه بالتأكيد الأقوال التالية في الإنجيل: “أعطيك مفاتيح ملكوت السموات. فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السموات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السموات.” (متى 19:16). وأيضا: “من غفرتم خطاياه تغفر له. ومن أمسكتم خطاياه أمسكت.” (يوحنا 23:20). اما إذا لم ينفذ الخادم كل ما أوصاه به الرب بل تعدى حدود الإيمان فان الرب يبطل بالتأكيد كل ما فعله. لذا فان سلطة الخادم الكنيسة هي تلك الوظيفة التي بها يحكمون كنيسة الله ولكنهم يعلمون كل شيء في الكنيسة كما رسم الرب كلمته. وحين تعمل هذه الأشياء هكذا فان المؤمنين يعتبرونها من الرب ذاته. وقد سبق وذكرنا المفاتيح في القسم الأعلى.

        سلطة الخدام واحدة ومتساوية: لقد أعطيت سلطة (أو وظيفة) واحدة متساوية لجميع الخدام في الكنيسة. لا شك بأن الأساقفة أو الشيوخ أداروا الكنيسة في البدء معا. ولم يعظم إنسان نفسه فوق غيره ولم يغتصب أسقف سلطانا اكبر أو سلطة على زملائه الأساقفة. بل، متذكرين قول الرب: “ليكن المتقدم كخادم” (لوقا 26:22) ابقوا أنفسهم في تواضع وساعد بعضهم البعض بالخدمة المتبادلة لإدارة الكنيسة والحفاظ عليها.

        الحفاظ على النظام: ومع ذلك ومن اجل المحافظة على النظام لابد ان يدعو احد خدام الله إلى الاجتماع ويطرح الأمور امام المجتمعين ويجمع آراء الآخرين، بكلمة مختصره، يحتاط بقدر المستطاع لئلا تنشأ الفوضى. هكذا فعل القديس بطرس كما نقرا في أعمال الرسل، لكنه لم يُفضل بسبب ذلك على الآخرين ولم يُعط سلطانا أكبر من البقية. فقول الشهيد كبريانوس محق في كتابه “في بساطة الاكليريوس” De simplicitate clericorumوهو: “ان باقي الرسل كانوا بالتأكيد مثل بطرس، موهوبين شركة تكريم وسلطة مماثلة، ولكن أولويته تنبثق من الوحدة في النظام لكي تظهر الكنيسة على انها واحدة”.

        كيف ومتى قدّم واحد على الآخرين: يقول القديس هيرونيموس في تفسيره رسالة بولس إلى تيطس شيئا لا يختلف كثيرا عن هذا: طقيل ان يبدأ بتحريض من الشيطان التعلق بالاشخاص في الدين كانت الكنائس تدار بمشورة الشيوخ المشتركة، ولكن بعد ان افتكر كل واحد ان الذين عمدهم هم خاصته، ولبسوا خاصة المسيح، قُرر ان يُنتخب احد الشيوخ يوضع (رئيسا) على الآخرين وتعهد إليه مسؤولية الكنيسة كلها لإزالة بذور الشقاق كلها”. ولكن هيرونيموس لا يوصي بهذا القرار كأنه قرار الهي لأنه يضيف مباشرة: “كما علم الشيوخ من عادة الكنيسة أنهم خاضعون لمن اقيم عليهم، كذلك علم الأساقفة انهم فوق الشيوخ لجهة العادة وليس أنها تدبير من الرب وأنه عليهم ان يحكموا الكنيسة بالاشتراك معهم.” هكذا يقول هيرونيموس. لذلك لا يحق لأحد ان يمنع العودة إلى الدستور القديم لكنيسة الله والرجوع إلى ما كان قبل العادات البشرية.

        واجبات الخدام: واجبات خدام الله متنوعة، ولكنها على الأغلب تقتصر على انثنين يشملان البقية: تعليم انجيل المسيح الإجراء الصحيح للأسرار. انه واجب الخدام ان يجمعوا المؤمنين للعبادة حيث تُفسر كلمة الله ويُطبق التعليم كله لرعاية الكنيسة ومنفعتها حتى يستفيد السامعون من التعليم وتهذيب المؤمنون. انها مسؤولية الخدام ان يعلموا الجهال وينبهوا ويحثوا الكسالى والمتلكئين ليتقدموا في طريق الرب. وعليهم أيضا ان يعزوا ويقووا الضعفاء، ويسلحوهم لمواجهة تجارب الشيطان الكثيرة، وان يوبخوا المتعدين ويردوا الضالين إلى الطريق، وان يرفعوا الساقطين ويقنعوا المخالفين بطرد الذئب من حظيرة خراف الرب، وينتهروا الشر والأشرار بحكمة وشدة، ولا يمررون أو يتحملون الشر الكبير. وأيضا عليهم ان يجروا الأسرار ويحثوا على استعمالهم الصحيح وينبهوا جميع الناس لاقتبالها بتعليم سليم، ويحفظوا المؤمنين في وحدة مقدسة ويضعوا حدا للانشقاق ويعلموا الأميين ويجلبوا احتياجات الفقراء على الكنيسة ويزوروا ويعلموا ويبقوا في طريق الحياة المرضى والمجربين بكل أنواع التجارب. وفضلا عن ذلك عليهم ان يحضروا الصلوات العامة أو الابتهالات في أوقات الحاجة مع الصيام العام، أي الامتناع المقدس، وان يهتموا بنشاط حثيث بكل ما يمت بصلة إلى هدوء الكنائس وسلامها وخيرها.

        ولكي يستطيع الخادم ان يمارس كل الأشياء بطريقة أفضل وأسهل عليه ان يخاف الله ويصلي باستمرار ويهتم بالقراءة الروحية ويكون متيقظا في كل الأمور وكل الأوقات ويدع نوره يشرق امام كل الناس بطهارة حياته.  

        النظام: بما ان النظام ضرورة مطلقة في الكنيسة وعقوبة الحرم استعملت أيام الآباء الأول وكانت هناك أحكام كنسية بين شعب الله حيث النظام مورس على يد أناس حكماء وأتقياء فانها مسؤولية الخادم ان يضبطه من اجل التهذيب بحسب أوضاع الزمان والحالة العامة والضرورة. يجب في كل الأزمنة والأمكنة مراعاة القاعدة القائلة بان كل شيء يجب ان يعمل بلياقة ووقار بدون كبت ولا نزاع والى غرض التنوير والتهذيب. فان الرسول يشهد بان السلطة في الكنيسة أعطيت له من الرب للبنيان لا للهدم (2كورنثوس 8:10). والرب ذاته منع ان يقلع الزوان في حقل الرب لئلا تقلع الحنطة مع الزوان. (متى 29:13).

        يجب الإصغاء حتى إلى الخدام الخطاة: ومن ثم فإننا نمقت بشدة خطأ الدوناطيين الذين يربطون فعالية تعليم الأسرار واجرائها أو عدم فعاليتها بحياة الخدام الصالحة أو الشريرة. فنحن نعلم انه يجب إطاعة صوت المسيح وان جاءنا من أفواه خدام أشرار لأن الرب ذاته قال: فكل ما قالوا لكم ان تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. لكن حسب أعمالهم لا تعملوا” (متى 3:23). نعلم ان الأسرار تُقدس بتأسيس المسيح وكلمته وانها فاعلة في الأتقياء وان منحها خدام غير مستحقين. لقد تجادل خادم الله المبارك أوغسطينوس مرارا مع الدوناطيين في هذه المسألة معتمدا على الكتاب.

        المجامع: الا انه ينبغي ان يكون بين خادم الله نظام لائق. فيجب ان تُفحص تعاليم الخدام وحياتهم في المجامع. فيجري توبيخ المسيئين الذين يمكن شفائهم من قبل الشيوخ ويعادوا إلى الطريق الصواب، وان كانوا لا يبرئون يجب عزلهم وإخراجهم من قطيع الرب مثل الذئاب بواسطة الرعاة الأمناء. فان كانوا معلمين بطالين يجب عدم احتمالهم أبدا. ولا نرفض المجامع المسكونية إذا ما اجتمعت بحسب مثال الرسل لخير الكنيسة لا لتدميرها.

        للعامل حق في الأجر. يحق لكل الخدام الأمناء أجر كالعملة الصالحين، وهم لا يخطئون إذا ما أخذوا أجورا وكل ما هو ضروري لهم ولعائلاتهم. لأن الرسول يظهر في 1كورنثوس9 وفي 1تيموثاوس5 وغيرها انه يحق للكنيسة ان تعطي هذه الأشياء ويحق أيضا للخدام ان يأخذوا. اما مجددوا المعمودية Anabaptistsالذين يدينون ويعيرون الخدام المعتاشين من خدمتهم فان التعليم الرسولي يدحضهم.

 الفصل التاسع عشر: في أسرار كنيسة المسيح

في الأسرار واضافتها إلى الكلمة وماهيتها: لقد أضاف الله منذ البدء إلى الكرازة بالكلمة في كنيسته أسرار أو دلائل سرية. هكذا تشهد الأسفار المقدسة بوضوح. فالأسرار رموز سرية، أو سنين مقدسة، أو أفعال مكرسة أنشأها الله لذاته. وهي تتكون من كلمته ومن اشارات وأشياء يُشار إليها، بحيث انه يستعملها في الكنيسة لتذكيرنا من وقت إلى وقت بالمنافع العظيمة التي أظهرها للبشرية. ويختم بها أيضا مواعيده ويمثل ظاهريا ويرينا الأمور التي يعملها لنا سريا وبذلك يقوينا ويزيد إيماننا بفعل الروح القدس في قلوبنا. واخيرا يميزنا عن كل الشعوب والأديان ويكرسنا ويشددنا إليه ويشير إلى ما يطلبه منا.

البعض للعهد القديم وأخرى للجديد: ثمة أسرار للشعب القديم وأخرى للجديد. أسرار الشعب القديم كانت الختان والحمل الفصحي الذي كان يقدم ذبيحة، لذلك فانها تشير إلى الذبائح التي مورست منذ بداية العالم.

عدد أسرار الشعب الجديد: أسرار الشعب الجديد هي المعمودية والعشاء الرباني. هناك من يحصي سبعة أسرار للشعب الجديد. من هذه نعترف بان التوبة ورسامة الخدام (لا الرسامة البابوية بل الرسولية) والزواج هي فرائض إلهية نافعة لكنها ليست من الأسرار. اما التثبيت والمسح الأخير فهما بدعتان بشريتان تستطيع الكنيسة الاستغناء عنهما دونما خسارة، ونحن لا نمارسهما في كنائسنا، لأنهما تحتويان على أمور لا نقبلها أبدا. واننا نستنكر قبل أي شيء آخر المتاجرة بتوزيع الأسرار التي يتعاطاها البابويون.

منشئ الأسرار: الله وحده لا الإنسان هو منشئ الأسرار. لا يقدر البشر ان يؤسسوا أسرار لأنها تتعلق بعبادة الله، وليس للإنسان ان يعين ويسن عبادة الله بل له ان يقبل ما استلمه من الله ويحافظ عليه. ثم ان الرموز مرتبطة بمواعيد الله التي تحتاج للإيمان. والإيمان مبني على كلمة الله، وكلمة الله مثل أوراق أو حروف بينما الأسرار هي مثل أختام لا يستطيع الا الله ان يضيفها إلى الحروف.

المسيح ما زال يعمل في الأسرار: وكما ان الله هو منشئ الأسرار كذلك يظل يعمل في الكنيسة التي تمارسها بطريقة صحيحة حتى يعرف المؤمنون حين يقبلونها من الخدام ان الله يعمل في فرائضه، وهكذا يستلمونها كما لو كانت من يد الله ذاته، ولا تستطيع عيوب خادم الأسرار حتى لو كانت عظيمة جدا ان تؤثر فيها لأن المؤمنين يقرون ان كمال الأسرار يعتمد على تأسيس الرب.

تمييز منشئ الأسرار عن خدامها: لذلك يميز المؤمنون أيضا بين الرب ذاته وخدامه، معترفين بان جوهر الأسرار يُعطى لهم من الرب. اما العلامات الخارجية فهي من خدام الرب.

جوهر الأسرار: لكن الشيء الأساسي الذي يعد به الله في كل الأسرار وهو محط أنظار كل الأتقياء في كل العصور (يسميه البعض جوهر الأسرار أو مادتها)، هو المسيح المخلص، الذبيحة الوحيدة وهو حمل الله المذبوح منذ بد العالم وتلك الصخرة التي منها شرب الآباء والذي به ختن المختارون من دون أيد بواسطة الروح القدس ويغسلون من كل خطاياهم ويغذون بجسد المسيح ودمه ذاتهما إلى الحياة الأبدية.

التشابه والاختلاف بين أسرار الشعب القديم والجديد: فيما يتعلق بالشيء الأساسي في الأسرار أو مادتها فان الأسرار عند الشعبين سواء. لأن المسيح، الوسيط الوحيد ومخلص المؤمنين، وهو الشيء الأساسي وجود الأسرار عند الاثنين، ولان الإله الواحد منشئهما. وقد أعطيت للشعبين علامات نعمة ومواعيد الله وأختامها. بها يتذكر الإنسان ويفتكر بمنافع الله العظيمة وبها يُميز المؤمنين عن كل أديان العالم. وأخيرا، بالإيمان تُتناول روحيا وبها يرتبط متناولها بالكنيسة وينبهون إلى واجباتهم. في هذه الأمور وغيرها مما يشابهها لا تختلف أسرار الشعبين وان اختلفت المظاهر الخارجية. وبالفعل فان الاختلاف بالنسبة للعلامات كبيرة. لأن علاماتنا أثبت وأبقى لانها لن تتغير حتى نهاية العالم. وأيضا ان علاماتنا تشهد ان الجوهر والوعد قد حققا أو أكملا في المسيح. اما العلامات القديمة فقد أشارت إلى ما كان سيتم. وعلاماتنا أبسط وأقل مشقة وبهاء وتعقيدا طقسيا. وهي تمتد إلى شعب أكثر منتشر في كل انحاء الأرض. وبما انها أفضل وتشعل إيمان اكبر بالروح القدس فان الروح فيها أغزر.

أسرارنا تخلف القديمة التي ألغيت: الآن وقد أُظهر لنا المسيح، المسيا الحقيقي، وسكب فيض نعمته على شعب العهد الجديد، تلغى أسرار العهد القديم طبعا وتتوقف، ويحل محلها رموز العهد الجديد: المعمودية محل الختان والعشاء الرباني محل الحمل الفصحي والذبائح.

مما تتألف الأسرار: كما ان الأسرار تألفت سابقا من الكلمة ومن الإشارة والمشار إليه كذلك هي الآن مؤلفة من الأجزاء نفسها. ان كلمة الله تصيّر هذه الأشياء أسرارا لم تكن قبلا كذلك. تكريس الأسرار: تتكرس الأسرار بالكلمة وتُقدس بالذي أسسها. تكريس أي شيء أو تقديسه لله يعني فرزه لاستعمال مقدس، أي ان يؤخذ من الاستعمال العادي المألوف ويعين لاستعمال مقدس. فان العلامات في الأسرار مأخوذة من الاستعمال العادي المألوف ويعين لاستعمال مقدس. فان العلامات في الأسرار مأخوذة من الاستعمال العادي. انها أشياء مرئية ظاهرية. ففي المعمودية ان الإشارة هي عنصر الماء وذلك الغسل الظاهر الذي يقوم به الخادم، ولكن المشار إليه هو التجديد والغسل من الخطايا. كذلك في العشاء الرباني حيث الإشارة الخارجية هي الخبز والخمر، وقد أخذ من أمور عادية تستخدم في الأكل والشرب، ولكن المشار إليه هو جسد المسيح المُعطى لنا ودمه المسفوك عنا أو شركة جسد الرب ودمه. لذا فان الماء والخمر هي ما هي وما نختبر بحسب طبيعتها ومن دون أي تأسيس الهي: ولكن عندما تُضاف إليها كلمة الله مع طلب الاسم الإلهي وتجديد تأسيسها الأول وتقديسها تصبح هذه الإشارات مكرسة ومقدسة من المسيح، لأن تأسيس المسيح لها وتكريسها يبقى أبدا فعالا في كنيسة الله حتى ان أولئك الذين لا يمارسون الأسرار بأي طريقة غير ما أسس الرب منذ البدء يتمتعون اليوم أيضا بذلك التكريس الأول الفائق. لهذا تُردد في إقامة الأسرار كلمات المسيح نفسها.

الإشارات تتخذ اسم المشار إليه: وكما نتعلم من كلمة اللهفان هذه الإشارات وضعت لهدف آخر غير هدف الاستعمال العادي. لذلك فإننا نعلّم بأنها في استعمالها المقدس تتخذ أسماء المشار إليها ولا تدعي بعد مجرد “ماء”أو “خبز” أو “خمر” ولكن تدعى أيضا تجديدا أو غسلا بالماء وجسد الرب ودمه أو رموز جسد الرب ودمه وعلاماتهما. ولكن هذا لا يعني بأن الرموز تتحول إلى المشار إليها أو تبطل ان تكون ما هي بالطبيعة. فإذا حصل ذلك لم تعد اسرارا. فإذا صارت الإشارات هي الأمور المشار إليها فليست هي بعد إشارات.

الاتحاد السري: لذلك فان الإشارات تكتسب أسماء الأشياء (المشار إليها) لأنها رموز سرية ولأن الإشارات والمشار إليه تجتمع بطريقة سرية، أقول “تجتمع” أو “تتحد” بمضمون سري وبقصد مؤسس الأسرار أو إرادته. فان الماء والخبز والخمر ليست إشارات عادية بل مقدسة. وانه إذ رسم استعمال الماء في المعمودية لم يفعل ذلك بقصد ان يُرشَ المؤمنون بماء المعمودية فقط، وإذ أوصى بأكل الخبز وشرب الخمر لم يشأ ان يتناول المؤمنون خبزا وخمرا فقط دون سر، تماما كما يأكلون الخبز في بيوتهم، وإنما القصد ان يشتركوا روحيا في الأمور المشار إليها، فيغتسلوا من الخطيئة بالإيمان ويشتركوا بالمسيح.

الشيع: لذلك لا نوافق على القائلين بأن تقديس الأسرار عائد إلى ما لا يعلمه أحد من خصائص وتركيبات أو لقوة الكلمات التي ينطق بها إنسان مكرس وعند قصد التكريس ولأمور عرضية أخرى لم يسلمنا إياها المسيح ولا الرسل لا بالمثال ولا بالكلمة. ولذلك لا نوافق على التعليم القائل بأن الأسرار مجرد اشارات عادية، غير مقدسة وغير فاعلة. ولا نوافق أولئك الذين يحتقرون الناحية المرئية للأسرار بسبب العنصر غير المنظور وهكذا يعتقدون بان الإشارات غير مجدية لأنهم يظنون أنهم يتمتعون الآن بالمشار إليه، كما قيل ان المساليين Messaliansيعلّمون.

المشار إليه ليس في الأسرار ولا يحد بها: لا نقبل تعليم القائلين بان النعمة والأمور المشار إليها مرتبطة ارتباطا وثيقا وكامنة في الإشارات لدرجة ان كل من يشتركون خارجيا في الإشارات، أياً كانوا من البشر، يشتركون أيضا داخليا بالنعمة وبالأمور المشار إليها.

ولكن، كما أننا لا نقيّم الأسرار بجدارة الخدم أو عدم جدارتها وكذلك لا نقيّمها على أساس حالة الذين يتناولونها. لأننا نعلم ان قيمة الأسرار تعتمد على الإيمان وعلى صدق الله وصلاحه الطاهر. فكما ان كلمة الله تبقى كلمة الله الحق، التي حين يكرز بها تردد لا الكلمات فحسب بل أيضا ان الأشياء المشار إليها أو المعلن عنها بالكلمات تُعطى من الله حتى وان سمع الأشرار وغير المؤمنين الكلمة وفهموها فانهم لا يتمتعون بالكلمة من اشارات ومشار إليها تبقى اسرارا صحيحة وبلا نقص تشير ليس إلى أشياء مقدسة فقط بل- بتقدمة الله- تشير إلى الأمور المشار إليها حتى وان لم يستلم غير المؤمنين الأشياء المعطاة. ليس هذا خطأ الله الذي يعطيها ويقدمها بل خطيئة البشر الذي يقبلونها بلا إيمان وبلا شرعية، ولكن عدم إيمانهم لا يبطل أمانة الله (رومية 3:3).

الغاية من الأسرار: ليس من الضروري ان نكرر هنا غاية الأسرار بما أننا قد تحدثنا عنها سابقا في شرحنا عن تأسيس الأسرار. ننطلق الآن، إذن، للحديث عن أسرار الشعب الجديد بالتفصيل.

 الفصل العشرون: في المعمودية المقدسة

تأسيس المعمودية: ان الله أسس المعمودية وكرسها. قام أولا يوحنا بالتعميد وغطس المسيح في مياه نهر الأردن. ومنه جاءت إلى الرسل الذين عمدوا أيضا بالماء. وقد أوصاهم الرب صراحة ان يكرزوا بالإنجيل ويعمدوا “باسم الآب والابن والروح القدس”( متى 19:28). وفي أعمال الرسل قال بطرس لليهود الذين سألوا ماذا نصنع: ليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس” (أعمال 37:2 وما يتبع). لذلك فان البعض يسمي المعمودية علامة الانتساب إلى شعب الله لأن مختاري الله يكرسون بها الله.

معمودية واحدة: هناك معمودية واحدة في كنيسة الله ويكفي ان يعمد الإنسان أو يكرس الله مرة واحدة. لأن المعمودية التي نقبلها مرة تستمر مدى الحياة وهي ختم التبني الدائم لنا.

معنى المعمودية: ان نعتمد باسم المسيح يعني ان نكتتب وندخل ونقبل في العهد وفي العائلة وكذلك في ميراث أبناء الله. نعم، وان ندعى في هذه الحياة باسم الله، أي ان ندعى أولاد الله، وان نُغسل من قذارة الخطيئة وان نمنح نعمة الله الكثيرة لكي نعيش حياة جديدة بريئة. ان المعمودية تذكرنا بنعمة الله العظيمة التي أظهرها للجنس البشري المائت وتجددها لنا. فاننا جميعا ولدنا ملوثين بالخطيئة واننا أبناء الغضب ولكن الله الغني بالرحمة يطهرنا مجانا من خطايانا بدم ابنه وفيه يتبنانا لنصبح أبناءه ويربطنا معه بعهد مقدس ويغنينا بهبات متنوعة لكي نعيش حياة جديدة. ان المعمودية تؤكد لنا كل هذه الأشياء. فان الله يعطينا ولادة ثانية ويطهرنا ويجددنا داخليا بواسطة الروح القدس. ونستلم تأكيد تلك المنافع العظيمة خارجيا بواسطة الماء الذي يمثل لنا هذه المنافع ويضعها أمام أعيننا.

نعمّد بالماء: ولهذا فاننا نُعمد بالماء أي نُغسل أو نُرشُ بالماء المنظور.فان الماء يزيل الأوساخ ويبرد وينعش الأجساد الحارة التعبة. وكذا تصنع نعمة الله لأرواحنا بطريقة روحية وغير مرئية.

واجب المعمودية:  ثم ان الله يفصلنا عن كل الشعوب والأديان الغربية برمز المعمودية ويكرسنا لذاته كخاصته. لذلك فاننا نعترف بإيماننا حين نعتمد ونلزم أنفسنا بطاعة الله واماته الجسد وتجديد الحياة. فنُضمّ إلى خدمة جند المسيح المقدسة لنحارب العالم والشيطان والجسد طول أيام حياتنا. وكذلك نعتمد في جسد الكنيسة الواحد لكي نتعاون مع جميع أعضاء الكنيسة على أفضل وجه في عبادة واحدة وفي خدمات متبادلة.

شكل المعمودية: نعتقد بان أفضل شكل للمعمودية هو الشكل الذي تعمد به المسيح والذي عمد به الرسل. فكل الأمور التي ابتكرها البشر فيما بعد وأضافوها واستعملت في الكنيسة لا نعتبرها ضرورية لإتمام المعمودية، نعني التعاويذ واستعمال الشموع والزيت والملح والبصاق وأمور أخرى مماثلة كمثل الاعتقاد ان المعمودية يجب ان تمارس مرتين في السنة مرفقة بشتى أنواع الطقوس. فاننا نؤمن ان الله قدس معمودية واحدة للكنيسة حين رسم هذا السر أولا وانها تكرس بالكلمة وانها مازالت فعالة إلى يومنا هذا بمقتضى بركة الله الأولى.   

خادم المعمودية: ونعلّم انه لا يجوز للنساء أو القابلات ان يقمن بالمعمودية في الكنيسة، لأن بولس حظر على النساء ممارسة وظائف كنسية، والمعمودية وظيفة كنسية.

شيعة القائلين بتجديد العماد: ندين أولئك الذين يرفضون ان يعمدوا أطفال المؤمنين، لأن التعليم الإنجيلي يقول ان لمثل هؤلاء ملكوت السموات وهم في عهد الله. فلماذا لا يُمنحون علامة العهد الإلهي؟ ولماذا لا يسمح اشتراك المنتمين لله والموجودين في كنيسته في المعمودية المقدسة؟ اننا ندين شيعة مجددي العماد أيضا في تعاليمهم الخاصة الأخرى التي يتمسكون بها وهي تنافي كلمة الله. لسنا منهم ولا شركة لنا معهم في شيء.

 الفصل الحادي والعشرون: في عشاء الرب المقدس

عشاء الرب: ان العشاء الرباني (ويسمى أيضا مائدة الرب والافخارستيا، أي الشكر) يدعى عادة عشاء لأن المسيح أسسه في عشائه الأخير ولا يزال يمثل ذلك العشاء، ولأن المؤمنين يغتذون ويشربون فيه روحيا.

منشئ العشاء ومكرسه: لم يُنشئ العشاء الرباني ملاك ولا إنسان بل أنشأه ابن الله ذاته، ربنا يسوع المسيح الذي كرسه أولا لكنيسته. وان ذلك التكريس (أو المباركة) لمستمر عند جميع الذين لا يمارسون عشاء الا ذلك الذي أسسه الرب والذي فيه يرددون كلام عشاء الرب، والذين يتطلعون في كل الأمور إلى المسيح الواحد بإيمان حق فيتناولون ما يتناولون بواسطة خدمة خدام الكنيسة كما لو كانوا يتناولونه من يد المسيح ذاته.

تذكار فوائد الله: يريد الرب بهذا الطقس المقدس ان يحفظ في ذهن الإنسان ذكرى حية للفوائد العظيمة التي أظهرها للإنسان الفاني، أي انه صفح عن كل خطايانا وافتدانا من الموت الأبدي وسلطان الشيطان ببذل جسده وسفك دمه، وانه يغذينا الآن بجسده ويعطينا دمه لنشرب منه. فإذا ما تناولناهما روحيا بإيمان حق يغذياننا إلى حياة أبدية. وهذه الفائدة العظيمة تتجدد لنا كلما احتفلنا بالعشاء الرباني: “اصنعوا هذا لذكري”. ويضمن لنا هذا العشاء المقدس ان جسد المسيح ذاته بذل لنا حقا وان دمه سفك لمغفرة خطايانا، لئلا يتضعضع إيماننا. 

الإشارة والمشار إليه: وهذا ما يمثله هذا السر ظاهريا ويعرض أمامنا، كما لو كنا نبصره، بواسطة الخدام ما يحدث داخليا في نفوسنا بواسطة الروح القدس. يقدم الخادم الخبز ظاهريا وتسمع كلمات الرب: “خذوا كلوا هذا هو جسدي” و”خذوا هذه واقتسموها بينكم. اشربوا منها كلكم. هذا هو دمي.” فيتناول المؤمنون ما يعطيهم خدام الرب ويأكلون خبز الرب ويشربون كأس الرب. وفي الوقت ذاته يتناول المؤمنون داخليا بفعل عمل المسيح وبواسطة الروح القدس جسد الرب ودمه ويغتذون بهما إلى حياة أبدية. لأن جسد المسيح ودمه مأكل حق ومشرب حق إلى حياة أبدية. ان المسيح نفسه- بما أنه مخلصنا والمُقدم عنا- هو الشيء الأساسي في العشاء ولا نسمح بأن يستبدل بأي شيء آخر.

ولكن لكي نفهم بشكل أفضل وأوضح كيف ان جسد المسيح ودمه هما مأكل المؤمنين ومشربهما وأنهم يتناولوهما إلى حياة أبدية نود ان نضيف الأمور التالية. هناك أكثر من نوع واحد للأكل. فهناك أكل جسدي بحيث يؤخذ الطعام بالفم ويمضغ بالأسنان ثم يُبلع إلى المعدة. لقد ظن الكابرنيون Capernaitesفيما مضى انه هكذا يؤكل جسد الرب، ولكن يسوع يدحض هذا الموقف في يوحنا 6. فكما ان جسد المسيح لا يمكن ان يؤكل جسديا من دون فجور وبربرية، كذلك فهو ليس غذاء للمعدة. الجميع مضطرون للإقرار بهذا. لذلك لا نوافق على تلك السنة في أحكام البابا تحت عنوان De consecratione, Dist.2 Ego Berengarius   

فلا المؤمنون الاقدمون آمنوا ولا نحن نؤمن ان جسد المسيح ينبغي ان يؤكل جسديا وجوهريا بفم جسدي.

        الأكل الروحي للرب: وهناك أيضا أكل روحي لجسد المسيح ولكن ليس كأننا نعتقد بأن الطعام نفسه يتحول إلى روح بل حيث ان جسد الرب ودمه يحافظان علىجوهرهما وخصائصهما ويمنحان لنا روحيا، أي بطريقة لا مادية وبواسطة الروح القدس الذي ينيلنا ويمنحنا الأشياء التي أعدت لنا بذبيحة جسد الرب ودمه، أعني غفران الخطايا والخلاص والحياة الأبدية، حتى يحيا المسيح فينا ونحن فيه ويجعلنا نقبله بإيمان صادق لكي يصير لنا مأكلا ومشربا روحيا، أي كي يصير حياتنا.

        المسيح قوتنا الذي يُغذي حياتنا: وكما ان المأكل والمشرب الروحيين لا ينعشان ويقويان أجسادنا وحسب بل يبقيانها أيضا على قيد الحياة، كذلك ان جسد المسيح المبذول عنا ودمه المسفوك من أجلنا لا ينعشان ويقويان نفوسنا فحسب بل يحفظانها حية. وذلك ليس بقدر ما نأكلهما ونشربهما جسديا بل بقدر ما يمنحان لنا روحيا بروح الله، كما قال الرب” الخبز الذي انا أعطي هو جسدي الذي ابذله من اجل حياة العالم” (يوحنا 51:6). و”الجسد (أي ما يؤكل جسديا) لا يفيد شيئا. الروح هو الذي يُحيي” (يوحنا 63:6). وأيضا: “الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة”.

        المسيح يُقبل بالإيمان: وكما انه من الضروري لنا ان نتناول طعاما لأجسادنا لكي يعمل ويظهر فعاليه فينا- لأنه لا ينفعنا شيئا ان بقي خارجنا، كذلك انه من الضروري ان نتناول المسيح بالإيمان ليصبح لنا ويحيا فينا ونحن فيه. فانه يقول: “أنا هو خبز الحياة. من يقبل إليّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا” (يوحنا 35:6). وأيضا: “من يأكلني فهو يحيا بي…. يثبت فيّ وأنا فيه”. (يوحنا 57:6و56).

        الطعام الروحي: يتضح من هذا كله ان الطعام الروحي لا يعني طعاما خياليا لا ندري ما هيته وإنما يعني جسد الرب ذاته المعطى لنا والذي- مع ذلك- يتناوله المؤمنون روحيا بالإيمان لا جسديا. اننا نتبع في هذا الامر تعاليم المخلص ذاته، المسيح الرب، بحسب ما جاء في يوحنا6.

        الأكل الضروري للخلاص: ان هذا الأكل لجسد الرب والشرب لدمه ضروريان جدا للخلاص بحيث انه لا يقدر إنسان ان يخلص من دونهما. ولكن المأكل والمشرب الروحيين يمكن ان يحدثا من دون عشاء الرب وذلك عندما يؤمن الإنسان بالمسيح. ولعل هذا ما عناه القديس أوغسطينوس في قوله: “لماذا تتزود لأسنانك ومعدتك؟ آمن فقد أكلت”.

        الأكل السري للرب: وهناك أيضا إلى جانب الأكل الروحي السامي لجسد الرب أكل سري، وذلك يحصل حين يشترك المؤمن فعلا- لا روحيا وداخليا فقط- بجسد الرب ودمه الحقيقيين فيقترب من مائدة الرب ويتناول الإشارة الظاهرة لجسد الرب ودمه. ان المؤمن لما آمن تناول حقا ولأول مرة الغذاء المحيي ولا يزال يتمتع به. ولكنه عندما يقبل السر الآن يتناول أيضا شيئا. فانه يتقدم في الاستمرار بالاشتراك في جسد الرب ودمه وهكذا يتقد إيمانه وينمو أكثر فأكثر وينتعش بالمأكل الروحي. ما دمنا نحيا فإيماننا في ازدياد. وان كل من يتناول السر بإيمان صحيح يتناول الإشارة وأيضا، كما سبق وقلنا، المشار إليه، وكذلك يطيع ما أسسه الرب وأوصى به ويقدم الحمد على افتدائه وافتداء الإنسانية جمعاء بعقل فرح، ويصنع تذكارا أمينا لموت الرب ويشهد امام الكنيسة التي هو عضو فيها. ولأولئك الذين يتناولون السر يُعطى تأكيد جسد الرب بُذل ودمه سُفك ليس من اجل البشر عامة فقط بل أيضا من اجل كل مؤمن مشترك ويكونان له مأكلاً ومشرباً للحياة الأبدية.

        يتناول غير المؤمنين في السر دينونة لأنفسهم: أما من يتقدم إلى مائدة الرب المقدسة بلا إيمان فانه يشترك في الإشارة فقط ولكنه لا ينال جوهر السر من حيث تنبع الحياة والخلاص، وأمثال هؤلاء يأكلون بغير استحقاق من مائدة الرب. ان كل من يأكل الخبز أو يشرب كأس الرب من غير استحقاق يكون مجرما في جسد الرب ودمه ويأكل ويشرب دينون لنفسه (1كورمثوس 26:11-29). لأنه عندما لا يقترب هؤلاء بإيمان صادق يهينون موت المسيح فيأكلون ويشربون دينونة لأنفسهم.

        حضور المسيح في العشاء: لا نقرن جسد الرب ودمه بالخبز والخمر لكي نقول ان الخبز نفسه هو جسد المسيح الا بطريقة سرية، ولا نقول ان جسد المسيح مستتر ماديا في الخبز حتى انه يمكن عبادته تحت شكل الخبز، ولا نعتقد بأن كل من تناول الإشارة تناول أيضا المشار إليه. ان جسد المسيح هو في السماء عن يمين الآب، إذا ينبغي ان نرفع قلوبنا إلى العلي لا ان نشخص إلى الخبز، ويجب الا يعبد الرب في الخبز بتاتا. ومع هذا فان الرب ليس بغائب عن كنيسته حين تمارس العشاء. فان الشمس الغائبة عنا في السماء مازالت فعليا معنا. فكم بالحري شمس البر، المسيح. فمع انه غائب عنا في السماء جسديا فانه حاضر معنا روحيا- لا ماديا- بواسطة عمله المحيي، كما هو بذاته شرح في عشائه الأخير بأنه سيكون حاضرا معنا (يوحنا 14و15و16). لذلك نقول انه ليس هناك عشاء لنا بدون المسيح ولكن عشاءنا في الوقت ذاته هو عشاء سري غير دموي، كما دعاه الاقدمون عالميا.

        غايات العشاء الرباني الأخرى: ويحثنا العشاء الرباني كذلك ان نفتكر بذاك الذي صرنا أعضاء فيه، لكي يكون فينا فكر واحد مع كل الأخوة ونعيش حياة مقدسة ولا نلوث أنفسنا بالشر والعبادات الغريبة بل نواظب في الإيمان الحق حتى أواخر حياتنا ونسعى للتفوق في قداسة الحياة.

        الاستعداد للعشاء: فمن اللائق، إذن، حين نرغب في التقدم إلى العشاء ان نفحص ذواتنا عن الإيمان الذي فينا، بحسب وصية الرسول. هل نؤمن ان المسيح أتى ليخلص الخطاة وليدعوهم للتوبة؟ هل يؤمن كل إنسان انه في اعداد أولئك الذين أنقذهم المسيح وخلصهم؟ وهل هو مصمم على تغيير حياته الشريرة وعلى العيش في حياة مقدسة والمثابرة بمعونة الله في التقوى الحقة وفي وفاق مع الأخوة ومصمم أيضا على حمد الله على خلاص؟

        ممارسة العشاء بالخبز والخمر معا: ونعتقد ان الطقس أو الطريقة أو الشكل الأبسط والأفضل لممارسة العشاء هو ذاك الذي يماثل تأسيس الرب الأول وتعليم الرسل قدر الامكان. ويتكون من إعلان كلمة الله وصلوات خشوعية ومن عمل الرب ذاته وتكراره وأكل جسد الرب وشرب دمه، وتذكار لائق لموت الرب وشكر صادق وشركة مقدسة في الاتحاد مع جسد الكنيسة.

        لذلك لا نوافق على ما يفعله بعضهم في امساك أحد عناصر هذا السر، أي كأس الرب، عن المؤمنين. فانهم بذلك يتعدون تعديا خطيرا على كلمات تأسيس الرب القائلة: “اشربوا منها كلكم”. وهذا ما لم يقله بصراحة حتى عن الخبز.

        ولسنا الآن في معرض البحث عن نوع القداس الذي مارسه الآباء وهل يجب القبول به أم لا. ولكننا نقول ما يلي بحرية تامة: ان القداس المستعمل الآن في جميع انحاء الكنيسة الرومانية قد أزلناه من كنائسنا لأسباب كثيرة وجيدة لا نريد تعدادها هنا بالتفصيل كي لا نطيل الشرح. فلم يكن ممكنا أبدا ان نقبل ان يتحول فعل سليم إلى مشهد باطل والى وسيلة لاكتساب استحقاق والى احتفال يباع ويشتري. كما لم نستطع ان نوافق على القول ان الكاهن يحدث جسد الرب ذاته في القداس ويرفعه تقدمة حقة من اجل غفران خطايا الأحياء والأموات، وأيضا من اجل تكريم القديسين في السماء وإجلالهم وإقامة ذكراهم الخ. 

 الفصل الثاني والعشرون: في الاجتماعات الدينية والكنسية

ماذا ينبغي ان يعمل في اجتماعات العبادة: مع انه مسموح لكل الناس ان يقرأوا الكتاب المقدس في بيوتهم على حدة وان يبني بعضهم البعض في العبادة الحقة فانه مع ذلك من الضروري ان تعقد اجتماعات دينية أو كنسية لكي يُكرز بكلمة الله للشعب كما يجب وتقام الصلوات والابتهالات علنيا ولكي تُجرى الأسرار بطريقة صحيحة وتجمع التقديمات للفقراء ولتغطية نفقات الكنيسة وأيضا من اجل المعاشرة الاجتماعية. ومن المؤكد ان اجتماعات كهذه كانت في الكنيسة الرسولية الأولى وان المؤمنين داوموا على حضورها.

يجب عدم إهمال اجتماعات العبادة: ان جميع من يأنفون من اجتماعات العبادة هذه ويبتعدون عنها يحتقرون الدين الحق، وينبغي على الرعاة والحكام المؤمنين ان يحثوهم على الامتناع عن التغيب المعاند عن الاجتماعات المقدسة.

الاجتماعات علنية: لا تكون الاجتماعات الكنسية سرية وفي الخفاء بل تكون علنية وبحضور جيد الا إذا لم يسمح بذلك اضطهاد ما من قبل أعداء المسيح والكنيسة. فإننا نعلم ان اجتماعات الكنيسة الأولى كانت تعقد في أمكنة سرية بسبب اضطهاد الأباطرة الرومان.

أماكن اجتماعات لائقة: ينبغي ان تكون الأماكن التي يجتمع فيها المؤمنون محتشمة ولائقة بكنيسة الله من كل النواحي. لذلك يجب اختيار أبنية أو معابد رحبة على ان يُزال منا كل ما لا يليق بالكنيسة. ويجب تدبير كل شيء للحشمة والضرورة واللياقة التقوية لئلا ينقص شيء لازم للعبادة ولعمل الكنيسة. 

يجب مراعاة الخشوع والاتضاع في الاجتماعات: وكما نؤمن ان الله لا يسكن في هياكل مصنوعة بأيدي كذلك نعلّم على أساس كلمة الله والاستعمال المقدس ان الأماكن المكرسة لله وعبادته ليست أماكن دنيوية بل مقدسة. وعلى من يكون فيها ان يتصرفوا باحترام واتضاع عالمين انهم في مكان مقدس وفي حضرة الله وملائكته القديسين.

التزيين الصحيح للمعابد: لا مكان في معابد المسيحيين أو أمكنة صلاتهم لأي لباس مترف وللزهو ولكل ما لا يتناسب مع التواضع والأدب واللياقة المسيحية. ان التزيين الحقيقي للكنائس لا يكون بالعاج والذهب والحجارة الثمينة بل في اتزان الموجودين في الكنيسة وتقواهم وفضائلهم. فلتُعمل كل الأمور في الكنيسة بلياقة وترتيب، واخيرا لتُعمل كل الأشياء من اجل البناء.

العبادة بلغة شائعة: فلتصمت إذن، كل الالسنة الغريبة في اجتماعات العبادة ولتعلن كل الأمور بلغة شائعة يفهمها جميع المجتمعين في ذلك المكان.

الفصل الثالث والعشرون: في صلوات الكنيسة والترانيم وساعات الفرض

لغة شائعة: صحيح انه مسموح للإنسان ان يصلي على حدة بأية لغة يعرفها ولكن الصلوات العامة في اجتماعات العبادة يجب ان تكون بلغة شائعة معروفة لدى الجميع.الصلاة: فلتكن صلوات المؤمنين كلها موجهة إلى الله وحده بواسطة المسيح فقط ولتنبع من إيمان ومحبة. ان كهنوت المسيح الرب والعبادة الحقيقية تحرم الدعاء إلى القديسين في السماء أو استخدامهم كشفعاء. وليُبتهل من اجل الحكام والملوك وكل ذي سلطة وخدام الكنيسة واحتياجاتها. ولتكن الصلاة بلا انقطاع علنا وسرا أيام المصائب خصوصا في الكنائس.

الصلاة الحرة: ولتكن الصلاة اختياريةمن دون اكراه أو سعي لأجر. ولا يجوز ان تحصر الصلاة- لاعتقاد وهمي- في مكان واحد وكأنه ليس من المسموح ان يُصلى الا في معبد. وليس من الضروري ان تكون الصلوات العامة هي ذاتها في كل الكنائس من جهة الشكل والوقت. لكل كنيسة الحق في ممارسة حريتها. يقول سقراط في تاريخه: “لا توجد في كل انحاء العالم كنيستان تتفقان كليا في الصلاة”. Hist. ecclesiat. V.22.57. ان منشئ هذا الاختلاف هم الذين كانوا مسؤولين في الكنائس في أوقات معينة. ولكن ان اتفقوا فانه امر مستحب وجدير بالآخرين ان يقلدوه.

الطريقة المتبعة في الصلوات العامة: كما في كل شيء كذلك في الصلوات العامة ينبغي ان يكون هناك مقاييس لئلا تطول كثيرا وتمسي مزعجة. ويجب ان يخصص القسم الأكبر من الاجتماع للتعليم الإنجيلي. وليحذر المصلي من إرهاق المجتمعين بصلوات طويلة لئلا يهموا بالمغادرة حين يكرز بالإنجيل أو يرغبوا في إلغاء الاجتماع كليا تماما بسبب تعبهم. لمثل هؤلاء تبدو العظة القصيرة طويلة جدا. لذلك يجب على الوعاظ ان يلتزموا بمقياس معين.

الترنيم: وكذلك يجب الاعتدال في استعمال الترانيم في اجتماعات العبادة التي تمارسه. ان ذلك الترتيل الذي يدعى اللحن الغريغوري فيه جهالات كثيرة. إذا فان رفضها من قبل بعض كنائسنا صائب. وإذا كانت هناك كنائس فيها عظة صحيحة وملائمة ولكن من دون ترنيم فيجب الا تدان. ومن المعروف من شهادات الاقدمين ان تقليد الترانيم قديم جدا في الكنائس الشرقية بينما لم يقبل الا حديثا في الغرب.

ساعات الفرض: ان العصور القديمة لم تعرف شيئا عن ساعات الفرض، أي الصلوات المخصصة لأوقات معينة في اليوم التي يرتلها أو يتلوها البابويون، كما يمكن برهنته من كتب السواعي وبحجج أخرى كثيرة. ولكني لا أريد ان أتكلم عن كثير من الأمور السخيفة الأخرى فيها. لذلك فان كنائسنا محقة في إسقاطها وإبدالها بأمور نافعة لكنيسة الله كلها.    

 

الفصل الرابع والعشرون: في الأيام المقدسة والصيامات وتمييز الأطعمة

الوقت اللازم للعبادة: مع ان العبادة لا تحصر بوقت معين فانها لا تقام وتمارس من دون توزيع وتدبير لائق للوقت. لذلك تختار كل كنيسة لذاتها وقتا يناسبها للصلوات العامة وللكرازة بالإنجيل وإجراء الأسرار. ولا يحق لأحد ان يغير هذه المواعيد الكنسية وفقا لمزاجه. فإذا لم يعط وقت مناسب ومتفرغ لممارسة العبادة العامة يبتعد الناس عنها إلى أشغالهم الخاصة.

يوم الرب: لذلك نجد ان الكنائس القديمة حددت ساعات معينة في الأسبوع للاجتماعات وأن يوم الرب قد عين منذ زمن الرسل كوقت خاص لهم وللراحة المقدسة. وهو ما لا نزال نمارسه صوابا ونحفظه في كنائسنا من اجل العبادة والمحبة.

الأوهام: ولا نرضخ في هذا الامر إلى طقوس اليهود والى الأوهام. فلا نعتقد بأن ثمة يوما أقدس من غيره أو ان الراحة بحد ذاتها مقبولة من الله. وكذلك فإننا نحتفل بيوم الرب- وليس بالسبت- كطقس حر.

أعياد المسيح والقديسين: إذا احتفلت الكنائس في حرية مسيحية وفي تقوى بذكرى ولادة الرب وختانه وآلامه وقيامته وصعوده إلى السماء وإرسال الروح القدس على تلاميذه فإننا نستحسن ذلك جدا. ولكننا لا نوافق على أعياد رسمت للبشر والقديسين. ان الأيام المقدسة  (أو الأعياد) تتعلق بلوح الشريعة الأولى وهي لله وحده. واخيرا، ان الأعياد المقدسة من اجل القديسين التي ألغيناها فيها الكثير مما هو سخيف وبلا فائدة ويجب الا يسمح بها. ولكننا في الوقت ذاته نقر ان تذكار القديسين في وقت ومكان لائقين يجب ان يوصى به للشعب في العظات فيوضع امام الجميع مثال القديسين الصالح ليقتدي به الجميع.

الصوم: ان كنيسة المسيح في إدانتها الإفراط في الطعام والسكر وكل أنواع الشهوة والشره انما توصينا بالصيام المسيحي، لأن الصيام ليس سوى امتناع المؤمن واعتداله، وهو تدريب وعناية وتأديب لجسدنا يمارس كضرورة في الوقت الحاضر بحيث اننا نتضع امام الله ونحرم جسدنا من وقوده لكي يطيع الروح طاعة اكبر وأسهل. لذلك فان أولئك الذين لا يهتمون بهذه الأشياء لا يصومون بل يتخيلون انهم يصومون إذا ما حشوا بطونهم مرة في اليوم وامتنعوا عن بعض الأطعمة في أوقات معينة، ظانين انهم بذلك  يسرون الله ويعملون عملا صالحا. ان الصوم عون لصلوات القديسين ولكل الفضائل. ولكن، كما نجد في كتب الأنبياء، ان صيام اليهود عن الطعام- لا عن الشر- لم يسر الله.

الصوم العلني والسري: ثمة صوم علني وآخر سري. لقد مارس الاقدمون الصوم العلني في أيام المصائب والمحن في الكنيسة، فامتنعوا كليا عن الطعام حتى المساء وامضوا الليل كله في صلوات مقدسة وعبادة الله والتوبة. ولم يختلف هذا كثيرا عن الندب ونجده مذكورا في الأنبياء خصوصا في يوئيل 2. ان صياما كهذا يمارس في هذه الأيام حين تكون الكنيسة في محنة. اما الصوم السري فيمكن لأي منا ان يمارسه كلما شعر انه مبتعد عن الروح. وبذلك يفرغ الجسد من وقوده.

مزايا الصوم: يجب ان ينبثق كل صوم عن روح حرة مريدة وعن تواضع أصيل وليس عن تصنع من اجل كسب ثناء البشر أو مدحهم، وبالتأكيد ليس من أجل ان يستحق الإنسان البر بسببه. فليصم كل إنسان لهذه الغاية ان يحرم جسده من وقوده لكي يخدم الله بغيرة أكبر.

الصوم الكبير: ان الصوم الكبير مشهود له عند الاقدمين الا ان لا اثر له في كتابات الرسل. لذلك لا يجوز ولا يمكن ان يفرض على المؤمنين. ومن المؤكد انه كانت هناك في الماضي أنواع كثيرة من عادات الصوم. يقول ايريناوس، الكاتب القديم: “يعتقد البعض ان الصوم هو ليوم واحد فقط، والبعض الاخر يقول ليومين وغيرهم لأكثر وأيضا يقول البعض لأربعين يوما. ان هذا التنوع في حفظ الصوم لم ينشأ في أيامنا بل قبلها من الذين، كما أعتقد، لم يتمسكوا بكل بساطة بما أعطوا من البدء بل أدخلت عندهم عادات أخرى اما بسبب الإهمال أو بسبب الجهل” Fragm. 3, ed. Strieren, I.824 f.ويقول أيضا المؤرخ سقراط: “بما انه ليس لدينا نص قديم في هذه المسألة أعتقد ان الرسل تركوا هذا الامر للحكم الفردي لكي يعمل كل واحد ما هو حسن دون خوف أو أكراه.” Hist. ecclesiat. V.22.40.

        تمييز الأطعمة: اما بالنسبة إلى تمييز الأطعمة فنعتقد انه يجب حرمان الجسد من كل ما يجعله متسلطا وكل ما يلتذ به جدا ويشعل فيه الشهوة سواء أكان ذلك بالسمك أم باللحم أم بالبهارات أم بأطايب الطعام والخمور الممتازة. ونعلّم أيضا ان كل خلائق الله صنعت من اجل فائدة الإنسان وخدمته، وان كل ما صنعه الله حسن ويمكن استخدامه في مخافة الله دونما تمييز وفي اعتدال لائق (تكوين 15:2 وما يتبع). لأن الرسول يقول: “كل شيء طاهر للطاهرين” (تيطس 15:1)، وأيضا: “كل ما يباع في الملحمة كلوه غير فاحصين عن شيء من أجل الضمير”. (1كورنثوس 25:10). والرسول نفسه يسمي تعليم القائلين بالامتناع عن اللحوم “تعاليم شياطين”، لأن الأطعمة “خلقها الله لتُتناول بالشكر من المؤمنين وعارفي الحق لأن كل خليقة الله جيدة ولا يرفض شيء إذا اخذ مع الشكر”. (1تيموثاوس 1:4 وما يتبع). والرسول ذاته أيضا في رسالته إلى اهل كولوسي يوبخ الذين يريدون كسب سمعة لأنفسهم بالامتناع المفرط (كولوسي 18:2 وما يتبع).

        الشيع: لذلك لا نوافق أبدا على التاتيين  Tatians والانكراطيين Encratitesوكل اتباع أوستاثيوس Eustathiusالذي استُدعي ضده مجمع غانجريا Gangria.

 الفصل الخامس والعشرون: في تعليم المبتدئين وتعزية المرضى وزيارتهم

يجب ان يعلم الشاب التقوى: لقد أوصى الرب شعبه القديم ان يعتني عناية خاصة بتربية الشبيبة بدءا من الطفولة. وامر شعبه صراحة ان يعلموا أولادهم ويشرحوا لهم خفايا أسرارهم. وبما اننا نعلم من كتابات المبشرين والرسل بأن الله يهتم أيضا بشباب شعبه الجديد لأنه يقول علنا: “دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله”. (مرقس 14:10)، فان رعاة الكنيسة يتصرفون بحكمة حين يعلمون الشباب باكرا وبعناية خاصة، واضعين أولا أسس الإيمان ومعلمينهم مبادئ الدين بأمانة من خلال شرح الوصايا العشر، وقانون إيمان الرسل والصلاة الربانية وتعليم الأسرار مع غيرها من المبادئ الرئيسية الأولى لديننا. ولتظهر الكنيسة إيمانها ونشاطها في جلب الأطفال للتعليم الديني، راغبة ومسرورة بان يتعلم أولادها تعليما حسنا.

        زيارة المرضى: بما ان الإنسان معرض للتجارب الحادة خاصة عندما يكون مثقلا بالاوهان ومريضا ومرهقا بأسقام النفس والجسد فانه يجدر برعاة الكنائس ان يعتنوا عناية خاصة بسلامة رعاياهم خصوصا في أوقات المرض والضعف. فليعودوا المرضى حالا وليُدعوا في الوقت المناسب من المرضى إذا تطلبت الظروف ذلك. وليعزوهم ويثبتوهم في الإيمان الحق وليسلحوهم لمواجهة وسوسات الشيطان الخطيرة. ويجب أيضا ان يقيموا الصلوات للمرضى في البيوت، وإذا لزم الامر في أماكن الاجتماع العام. ويجب ان يتأكدوا من انهم يفارقون الحياة بفرح. وقد قلنا سابقا اننا لا نوافق على الطريقة البابوية في زيارة المرضى لإعطاء المسحة الأخيرة لأنها سخيفة ولا أساس لها في الأسفار القانونية.

الفصل السادس والعشرون: في دفن المؤمنين والاعتناء بالموتى وفي المطهر و”ظهورات” الأرواح

دفن الأجساد: بما ان أجساد المؤمنين هي هيكل الروح القدس التي نؤمن انها ستقوم حقا في اليوم الأخير في الكتاب يوصي بأن تودع التراب بكرامة ومن دون أوهام، وبأن يصادر إلى ذكر كريم للقديسين الراقدين في الرب، وبأن يقام بالواجبات العائلية تجاه الباقين من أرامل وأيتام. ولا نقول بأي اهتمام آخر بالموتى. لذلك فإننا لا نوافق أبدا على المتهكمين Cynicsالذين أهملوا جثث موتاهم أو رموها في الأرض باحتقار وبلا أي اعتناء بها وما قالوا كلمة حسنة عن الموتى أو اهتموا بمن تركوا وراءهم.

الاعتناء بالموتى: ولكننا، من جهة أخرى، لا نوافق على أفعال الذين يفرطون في الاعتناء بالموتى إلى حد السخافة، فينوحون على موتاهم كالوثنيين (مع اننا لا نعيب ذلك الحزن الذي يجزيه الرسول في 1 تسالونيكي 13:4، معتبرين ان عدم الحزن امر غير إنساني)، ويقدمون ذبائح من اجل الموتى ويهمهمون صلوات لقاء أجر لكي ينقذوا أحباءهم بشعائر كهذه من العذابات التي يجابهون في الموت، ظانين انهم يحررونهم بتعويذات كهذه.

حالة النفس المنفصلة عن الجسد: نؤمن ان المؤمنين يذهبون بعد الموت مباشرة إلى المسيح. لذلك فهم لا يحتاجون إلى تقاريظ الأحياء وصلواتهم وخدماتهم للموتى. كذلك نؤمن ان غير المؤمنين يرمون حالا في الجحيم حيث لا منقذ للأشرار مهما صنع الأحياء من اجلهم.

المطهر: اما ما يعمله البعض بالنسبة إلى نار المطهر فان ذلك مناف للإيمان المسيحي، أي لـ “أومن بمغفرة الخطايا وبالحياة الأبدية” وهو مناف أيضا للتطهير الكامل بواسطة المسيح ولكلام المسيح الرب القائل: “الحق الحق أقول لكم ان من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى حياة.” (يوحنا 24:5). وأيضا: “الذي قد اغتسل ليس له حاجة الا إلى غسل رجليه بل هو طاهر كله. وانتم طاهرون…” (يوحنا 10:13).

ظهورات الأرواح: اما ما يتعلق بأرواح الموتى أو أنفسها التي تظهر أحيانا للأحياء وترجوهم ان يؤدوا بعض الواجبات ليحرروها فإننا نعتبر ظهورات كهذه من أضاحيك الشيطان وأضاليله وحيله. فكما انه يستطيع ان يتحول إلى ملاك نور كذلك انه يسعى لهم الإيمان الحق أو لجعله أمرا مشكوكا فيه. لقد حظر الرب في العهد القديم نشدان الحقيقة من الأموات وكذلك كل تعاط مع الأرواح (تثنية11:18). وهكذا تعلن أيضا الحقيقة الإنجيلية ان الإنسان الشره حين يكون في عذابه الأبدي يسمح له بالعودة إلى إخوته. ويقول الكتاب في ذلك: عندهم موسى والأنبياء ليسمعوا منهم… ان كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء ولا ان قام واحد من الأموات يصدقون.” (لوقا 29:16 و31).

الفصل السابع والعشرون: في الطقوس والشعائر والأشياء الحيادية(أي التي لا تقدم ولا تؤخر)

الطقوس والشعائر: لقد أعطي الشعب القديم فيما مضى شعائر معينة كنوع من التعليم للذين كانوا تحت الشريعة كما لو كانوا خاضعين لمعلم أو لمرب. ولكن بمجيء المسيح المنقذ وإلغاء الشريعة لم نعد نحن المؤمنين تحت الشريعة (رومية 14:6). فزالت الشعائر. لذلك فان الرسل لم يريدوا ان يحتفظوا بها أو ان يعيدوها إلى كنيسة المسيح إلى حد انهم أعلنوا جهرا انهم لا يريدون ان يفرضوا أي نير على الكنيسة. لهذا فاننا إذا أكثرنا من الشعائر والطقوس في كنيسة المسيح كما هي العادة في الكنيسة القديمة نكون كمن يُدخل ويعيد الدين اليهودي إلى المسيحية. لذلك لا نوافق أبدا على رأي القائلين انه يجب ضبط كنيسة المسيح بطقوس كثيرة ومتنوعة كنوع من التدريب. فإذا لم يشأ الرسل ان يفرضوا على الشعب المسيحي طقوسا أو شعائر عينها الله أسألكم: أإنسان عاقل ذاك الذي يريد ان يثقلهم بابتكارات من صنع البشر؟ كلما زادت الطقوس في الكنيسة انتُقص لا من الحرية المسيحية وحسب بل أيضا من المسيح ومن الإيمان به، مادام هذا الشعب ينشد هذه الأشياء في الطقوس وكان ينبغي ان ينشدها بالإيمان في ابن الله الوحيد يسوع المسيح. لهذا فانه يكفي المؤمنين عدد من الطقوس القليلة البسيطة المعتدلة التي لا تتعارض مع كلمة الله.

تنوع الطقوس: وان وجدت طقوس مختلفة في الكنيسة فلا يظن احد بان الكنائس اختلفت فيما بينها. يقول سقراط: “من المستحيل ان تدون جميع طقوس الكنائس في كل أنحاء المدن والبلدان. فليس هناك دين يمارس الطقوس نفسها حتى لو اعتنق العقيدة ذاتها المختصة بالطقوس. فان أبناء الإيمان الواحد يختلفون فيما بينهم حول الطقوس” Hist. ecclesiast. هذا ما يقوله سقراط. ونحن نمارس في أيامنا هذه طقوسا مختلفة للاحتفال بالعشاء الرباني وفي أمور أخرى أيضا، ولكننا لا نختلف في العقيدة والإيمان ولم تُمزق وحدة الشركة بين كنائسنا بسبب ذلك. لن الكنائس اعتادت ممارسة حريتها في طقوس كهذه لكونها أمورا حيادية. وهذا ما نفعله اليوم.

الأمور الحيادية: ولكننا نحذر الناس من مغبة اعتبار أمور غير حيادية من الأمور الحيادية، كما يظن البعض بالنسبة للقداس واستخدام الصور في أماكن العبادة. لقد كتب هيرونيموس إلى أوغسطينوس قائلا: “ليس الأمر الحيادي خير ولا هو شر حتى انك إذا صنعته أو لم تصنعه فلست بمنصف ولا غير منصف”. لذلك عندما تسيء أمور حيادية إلى اعتراف الإيمان لا تعود امورا حرة، كما يظهر بولس بأنه جائز ان يأكل الإنسان لحما إذا لم يُلفت نظره إلى كونه مذبوحا للأوثان، لأنه عندما يصبح أكل اللحم غير جائز حيث يظهر الآكل موافقا على عبادة الأوثان. (1كورنثوس 9:8 وما يتبع و25:10 وما يتبع).

الفصل الثامن والعشرون: في ممتلكات الكنيسة

ممتلكات الكنيسة واستعمالها اللائق: تمتلك كنيسة المسيح ثروة من جراء سخاء الأمراء وكرم المؤمنين الذين أعطوا أموالهم للكنيسة. فالكنيسة تحتاج إلى موارد كهذه وقد اعتمدت عليها منذ القدم لسد احتياجاتها. ان الاستعمال الصحيح لثروة الكنيسة كان وسيبقى لدعم التعليم في المدارس وفي الاجتماعات الدينية فضلا عن عبادة الكنيسة وطقوسها وأبنيتها، وأيضا لدعم معيشة المعلمين والدارسين والخدام إلى جانب أمور ضرورية أخرى، وخصوصا من اجل إغاثة الفقراء ونجدتهم. التدبير: ويجب انتقاء أناس حكماء وخائفي الله معروفين بتدبيرهم الحسن للأمور البيتية من اجل إدارة ممتلكات الكنيسة بطريقة مناسبة.

سوء استعمال ممتلكات الكنيسة: إذا حصل سوء استعمال لثروة الكنيسة بسبب نكبة أو بسبب جسارة بعض الأشخاص أو جهلهم أو طمعهم يجب عندئذ إعادتها إلى الاستعمال المكرس على يد أناس أتقياء وحكماء. فان سوء الاستعمال انتهاك كبير للمقدسات ولا يجوز التغاضي عنه. لذلك نعلّم انه يجب إصلاح كل المدارس والمؤسسات التي فسد فيها التعليم والعبادة والأخلاق، ويجب تدبير إغاثة الفقراء بامتثال وحكمة وخلوص نية.

 الفصل التاسع والعشرون: في التبتل والزواج وتدبير الشؤون العائلية

العزاب: ان من وهبوا من السماء هبة البتولية بحيث انهم من القلب وكل النفس طاهرون وإعفاء وغير ملتهبين بالشهوة فليخدموا الرب في تلك الدعوة طالما أنهم يشعرون بتلك العطية الإلهية، ولكن يجب الا يعرفوا أنفسهم فوق الآخرين بل ليخدموا الرب دائما في بساطة وتواضع (1كورنثوس 7:7 وما يتبع). لأن مثل هؤلاء قادرون ان يهتموا بالأمور الإلهية أكثر من المنشغلين بالأمور العائلية الخاصة. ولكن في حال سُحبت تلك العطية وشعروا بتحرق مستمر فليتذكروا كلام الرسول: “التزوج أصلح من التحرق” (1كورنثوس 9:7).

الزواج: ان الزواج (أي دواء الغلمة لا بل هو الغلمة ذاتها) أقيم من الله وقد باركه وافرا وأراد ان يلتصق فيه الرجل والمرأة من غير انفصال ويعيشا معا في محبة ووفاق تامين (متى 4:19 وما يتبع). لهذا قال الرسول: “ليكن الزواج مكرما عند كل واحد والمضجع غير نجس” (عبرانيين 4:13). وأيضا: “ان تزوجت العذراء لم تخطئ” (1كورنثوس 28:7).

الشيع: لذلك ندين تعدد الزوجات وندين أيضا أولئك الذين يدينون الزواج الثاني.

كيفية عقد الزواج: نعلّم ان الزواج يجب ان يعقد قانونيا وفي مخافة الرب وليس ضد القوانين التي تحرم بعض درجات القربى لئلا يكون الزواج سفاحا. ليصر الزواج بموافقة الوالدين أو من يحل محلهما ولنشد الغاية التي من اجلها أقام الرب الزواج. وليكن أيضا مقدسا وفي غاية الأمانة والتقوى والمحبة والطهارة بين اللذين جمعا معا. وليحذرا من الخصامات والشقاق والشهوة والزنى.

محكمة الزواج: لتؤسس في الكنيسة محاكم شرعية وقضاة مكرسون للاهتمام بالزيجات ولمنع كل فجور وعيب وللفصل في الخلافات الزوجية.

تربية الأطفال: على الوالدين ان يربوا أطفالهم في مخافة الرب، وان يؤمنّوا لهم كل احتياجاتهم، متذكرين قول الرسول: “ان كان احد لا يعتني بخاصته ولا سيما أهل بيته فقد أنكر الإيمان وهو شر من غير المؤمن” (1تيموثاوس 8:5). ويجب ان يعلموا أولادهم حرفا أو مهنا مستقيمة يعيلون بها أنفسهم، وان يبعدوهم عن البطالة ويبثوا فيهم الإيمان الحق بالله في كل الأمور لئلا يفسدوا ويفشلوا بسبب عدم الثقة أو الطمأنينة المفرطة أو الطمع القذر.

ومن المؤكد ان الأعمال التي يقوم بها الوالدان في الشؤون العائلية وتدبير بيوتهم هي في نظر الله أعمال مقدسة حقا. وليست اقل مسرة لله من الصلوات والصوم والإحسان، لأن هكذا علم الرسول في رسائله، وخاصة في الرسائل إلى تيموثاوس وتيطس. ونوافق مع الرسول ذاته على اعتبار تعليم الذين يحرمون الزواج أو الذين ينتقدونه جهرا أو يشككون فيه بطريقة غير مباشرة في طهارته وقداسته على انه تعليم شياطين.

وكذلك نمقت حياة العزبة الفاجرة وشهوات المرائين ودعارتهم العلنية والسرية، الذين يتظاهرون بالعفة وهم ابعد الناس عنها. كل هؤلاء سيدينهم الله. لا نرذل الغني أو الأغنياء، إذا كانوا أتقياء واستعملوا غناهم حسنا. ولكننا نرفض شيعة المسترسلين  Apostolocals.

 الفصل الثلاثون: في الحكم المدني

الحكم المدني من الله: ان الحكم في كل أنواعه مؤسس من الله ذاته من اجل سلام الجنس البشري وطمأنينته، لذلك ينبغي ان يكون له المركز الأول في العالم. فإذا كان الحاكم ضد الكنيسة بامكانه ان يؤخرها ويضايقها كثيرا، ولكن إذا كان صديقا لا بل عضوا في الكنيسة فهو عضو ممتاز ونافع جدا فيها يستطيع ان يفيدها كثيرا ويعاونها لخير الجميع.

واجب الحاكم: واجب الحاكم الأول ان يؤمّن ويحفظ السلام والهدوء العام. ولا شك ان باستطاعته ان يفعل ذلك بنجاح اكبر إذا كان إنسانا متدينا وخائف الله حقا، أي عندما يؤيد الكرازة بالحقيقة وبالإيمان الصادق ويقتلع الأكاذيب والأوهام هي والجحود وعبادة الأوثان ويدافع عن كنيسة الله بحسب مثال ملوك شعب الرب وأمرائه المباركين. اننا نعلم بالتأكيد ان الاهتمام بالدين من صلاحيات الحاكم المقدس. فليرفع كلمة الله في يده وليتأكد بان لا شيء يعلم ضدها. كذلك ليحكم الشعب المعهود به إليه من الله بقوانين صالحة مشرّعة على أساس كلمة الله، وليحفظ الشعب في نظام وواجب وطاعة. وليمارس القضاء بالحكم باستقامة ويجب الا يحابي الأشخاص أو يأخذ رشوات. وليحم الأرامل والأيتام والمنكوبين. وليعاقب بل لينف المجرمين والدجالين والبرابرة. “لأنه لا يحمل السيف عبثا” (رومية 4:13). وليستل سيف الله هذا ضد كل عاملي الإثم والمشاغبين واللصوص والقتلة والجائرين والمجدفين والحانثين وكل من أمره الله بمعاقبتهم حتى بإعدامهم. وليقمع الهراطقة المعاندين (الذين هم هراطقة حقا) الذين لا ينقطعون عن التجديف على جلال الله وعن إزعاج كنيسة الله وتدميرها.

الحرب: وإذا لزم ان تحفظ سلامة الشعب بالحرب فليحارب الحاكم باسم الله، شرط ان يسعى أولا للسلام بكل الطرق الممكنة ويتضح له انه لا يقدر ان ينقذ شعبه بطريقة أخرى غير الحرب، وعندما يعمل الحاكم هذه الأمور بالإيمان فانه يخدم الرب بهذه الأعمال ذاتها التي هي صالحة وينال بركة من الرب.

ندين القائلين بتجديف العماد الذين ينكرون حق المسيحي في تولي منصب الحاكم وبذلك ينكرون على الحاكم تنفيذ حكم الإعدام الشرعي وجواز الحرب أو القسم الذي ينبغي تأديته للحاكم وأمور أخرى مشابهة.

واجبات الرعايا: وكما أراد الله ان يهتم الحاكم بسلامة الشعب وأعطاه للعالم لكي يكون كأب له، كذلك فانه على الرعايا ان يقروا بهذا المعروف الإلهي في الحاكم. لذلك ليكرموا وليحترموا الحاكم كخادم الله وليحبوه ويكرموه ويصلوا من اجله كأبيهم، ليطيعوه في جميع أوامره العادلة المنصفة. وأخيرا، ليؤدوا الجزية والضريبة وكل ما شابه ذلك بأمانة وبملء إرادتهم وإذا ما استدعى الأمن العام للبلاد والعدل وطلب الحاكم ان تعلن الحرب فليضعوا حياتهم ويسكبوا دمهم من اجل الأمن العام وامن الحاكم. وليضعوا ذلك بملء الإرادة باسم الله وبشجاعة وفرح. لأن كل من يعارض الحكم يستثير غضب الله العظيم على نفسه.

الشيع والشغب: لذلك ندين جميع أولئك الذين يحتقرون الحاكم- الثائرين وأعداء الوطن والمشاغبين الأشرار، وأخيرا جميع الذين يرفضون علنا ان بمكر ان يقوموا بالواجبات التي يدينون بها للوطن.

نضرع إلى الله، أبينا السماوي الفائق الرحمة، ان يبارك حكام الشعب ويباركنا نحن وكل شعبه بواسطة يسوع المسيح، ربنا ومخلصنا الوحيد، له التسبيح والمجد والشكر إلى مدى الدهور. آمين

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى