إقرار الإيمان الإنجيلي السويسري 1536م
لمحة تاريخية
بعد ان انضمت مدينة جنيفا إلى المدن السويسرية التي اعتنقت الإصلاح الإنجيلي دُعي المصلح جون كلفن 1509-1564 إليها للمساعدة في إعادة تنظيم المدينة على أسس الإصلاح الجديدة. فكان إسهام كالفن مهما في تثبيت الإصلاح في جنيفا. وقد صدرت عنه ثلاثة وثائق إصلاحية: مبادئ لنظام كنسي وكتاب تعليم مسيحي واعتراف إيمان ملزم لجميع أبناء المدينة. وقد قيل ان كالفن هو المؤلف الوحيد لاعتراف الإيمان هذا ولكن بعض المؤرخين في الفترة الحديثة يقولون ان المؤلف كان زميله وليام فاريل 1489-1565م الذي كان قد اصر على بقاء كالفن في جنيفا وسلمه مركزا قياديا فيها. ولكن الرأي السائد اليوم هو ان كالفن كان المؤلف الرئيسي أو على الأقل كانت له اليد الطولى في تأليف هذا الاعتراف الإيماني. وقد كتب أولا بالفرنسية ثم ترجمه كالفن إلى اللاتينية سنة 1538م.
اعتراف الإيمان في جنيفا 1536 م
كلمة الله
نؤكد أولا اننا نرغب في إتباع الكتاب المقدس وحده قاعدة للإيمان والتقوى دون ان نخلط معها أي شيء آخر من بدع البشر غير المتفق عليها مع كلمة الله. ولا نقبل لإدارتنا الروحية أي تعليم لا تبلغنا إياه هذه الكلمة دون زيادة أو نقصان، بحسب وصية الرب.
إله واحد وحيد
وعلى أساس الكتاب المقدس نقر إذن باله واحد وحيد، إياه يجب ان نخدم ونعبد، وبه ينبغي ان نضع كل ثقتنا ورجائنا، متأكدين ان فيه وحده كل الحكمة والقدرة والعدل والخير والشفقة. وبما انه روح ينبغي ان يخدم بالروح والحق. لذلك فانه امر بغيض ان نضع ثقتنا أو رجائنا بأي شيء مخلوق أو نعبد غيره، ملائكة كان أو مخلوقات أخرى، أو ان نقر بأي مخلص آخر لنفوسنا غيره وحده، قديسين كانوا أو بشرا على الأرض، أو ان نقدم العبادة التي يجب ان تقدم له وحده في شعائر خارجية أو طقوس دنيوية ظانين انه يسر بهذه الأمور، أو ان نضع صورة لتمثيل ألوهيته أو أية صورة أخرى للعبادة.
شريعة الله للكل على السواء
لأن لنا ربا وسيدا واحدا ذا سلطان على ضمائرنا ولأن مشيئته مبدأ العدل الوحيد نعترف ان حياتنا يجب ان تحكم بحسب وصايا شريعته المقدسة التي فيها كمال العدل، ولا ينبغي ان يكون لنا أي قاعدة أخرى للعيش الصالح والعادل، يجب ان لا نبتكر أعمالا صالحة أخرى إضافية غير المذكورة في سفر الخروج 20: “أنا الرب إلهك الذي أخرجك….” الخ.
الإنسان الطبيعي
نقر ان الإنسان بالطبيعة أعمى، مظلم الفهم، فاسد القلب ومنحرف لدرجة ان بالاتكال على ذاته لا يستطيع ان يدرك معرفة الله الحق كما يجب ولا ان يكرس ذاته للأعمال الصالحة. بل على العكس، إذا ما تركه الله لطبيعته يحيا في جهل ويستسلم لكل إثم. لذا فهو يحتاج إلى تنوير الله كي يأتي إلى معرفة الخلاص الحقيقية، فيُقوم توجيه نزعاته ويصلح لطاعة بر الله.
الإنسان من ذاته هالك
بما ان الإنسان كما ذكرنا، بطبيعته محروم وخال من نور الله وكل بر، نقر بأنه من ذاته لا يمكن ان يتوقع الا الغضب واللعنة الإلهية، لذا فيجب ان ينظر خارج ذاته من أجل وسيلة للخلاص.
الخلاص في المسيح
نؤمن ان يسوع المسيح هو المعطى لنا من الآب لكي نستعيد به كل ما هو ناقص فينا. ونعتقد بما فعله يسوع المسيح وبما تألمه من اجل فدائنا كما هو مدون في قانون الإيمان الذي يتلى في الكنيسة، أي “أومن بالله الآب القادر على كل شيء….).
البر في المسيح
لذلك نعترف بالأمور التي يعطينا إياها الله في يسوع المسيح. أولا، بأننا صولحنا مع الله بعد ان كنا أعداء له في طبيعتنا خاضعين لغضبه ودينونته وقبلنا بالنعمة بشفاعة يسوع المسيح، فلنا غفران الخطايا ببره وبراءته، وقد غسلنا وطهرنا من كل عيب بدمه المسفوك.
التجديد في يسوع
ونعترف ثانيا بأننا نولد إلى طبيعة روحية جديدة بروحه، أي ان شهوات جسدنا الشريرة تمات بالنعمة فلا تعود تسيطر علينا، بل تشكل إرادتنا مشيئة الله للسير في طريقه وللسعي وراء ما يسره. لذلك فهو منقذنا من عبودية الخطية التي كنا أسراها، وبهذا نصبح قادرين على فعل الأعمال الصالحة وليس بأي شيء آخر.
غفران الخطايا ضرورة دائمة للمؤمنين
واخيرا نعترف بان تجديدنا يحدث بشكل أننا نبقى معه ضعفاء وناقصين طالما لم نطرح عنا الجسد المائت فنبقى خطاة بؤساء ومساكين في حضرة الله. ومهما توجب علينا ان ننمو يوما في بر الله فانه لا نبلغ الكمال والتمام في هذه الحياة. لذا فنحن دوما في احتياج إلى رحمة الله من اجل غفران زلاتنا وتعدياتنا. فيجب ان نتطلع دائما إلى يسوع المسيح لا إلى أنفسنا من اجل التبرير وان نطمئن إليه ونثق به غير متكلين على أعمالنا.
كل صلاحنا في نعمة الله
لتمجيد الله وتسبيحه (كما يجب) ولحصولنا على السلام الحقيقي وراحة الضمير نعلم ونعترف بأننا ننال كل الخيرات من الله، كما قلنا سابقا، من رأفته وشفقته دون أي اعتبار لاستحقاق أعمالنا أو جدارتها، التي في حد ذاتها لا تستحق الا الضلال الأبدي. لكن مخلصنا الصالح الذي يقبلنا في شركة ابنة يسوع يعتبر اعمالنا في الإيمان مرضية ومقبولة لدية لا لأي استحقاق لها ولكن لأنه لا ينسب إلينا أي نقص مما فيها بل يقر بما ينبثق فيها من روحه فقط.
الإيمان
نعترف بان الدخول إلى كنوز صلاح الله العظيمة وغناه الممنوحة لنا بالإيمان ممكن بقدر ما نؤمن واثقين ومن القلب بوعود الإنجيل ونقتبل يسوع المسيح كما يعطينا إياه الآب وكما تعطينا إياه كلمة الله.
التضرع لله فقط والشفاعة للمسيح
كما أعلنا ان لنا ثقة ورجاء للخلاص وكل صلاح في الله وحده بيسوع المسيح كذلك نعترف بان علينا ان نضرع إليه في كل احتياجاتنا باسم يسوع، وسيطنا ومؤيدنا الذي له الدخول إلى الله. وكذلك يجب ان نقر بان كل الأشياء الحسنة تأتي من لدنه وحده فينبغي ان نشكره من اجلها. ونرفض من جهة أخرى شفاعة القديسين معتبرينها أوهاما من ابتداع البشر منافية للكتاب لأنها تنبع من عدم الثقة بكفاية شفاعة يسوع المسيح.
الصلاة المفهومة
وبما ان الصلاة الحقيقية هي التي تنبع من أعماق القلب وإلا فهي رياء وتخيلات، فلذلك نؤمن بان كل الصلوات يجب ان تتلى بفهم ووضوح. ولهذا نعتقد ان الصلاة التي علمنا ربنا تّظهر بطريقة لائقة ما يجب ان نسأله: (أبانا الذي في السموات… ولكن نجنا من الشرير. آمين).
الأسرار
نؤمن بان الأسرار التي رسمها الله لكنيسته هي تدريب لإيماننا لكي تحصنه وتثبته في مواعيد الله والشهادة للبشر. وان السرين اللذين أنشأتهما سلطة مخلصنا هما اثنان فقط: المعمودية وعشاء الرب. أما ما يعتقد به في مملكة البابا عن سبعة أسرار فذلك نعتبره خرافة وضلال.
المعمودية
المعمودية علامة خارجية يشير بها الله إلى انه يرغب في قبولنا أولادا له وأعضاء في ابنه يسوع. ففيها رمز اغتسالنا من الخطية الذي لنا في دم يسوع المسيح، وإماتة جسدنا التي لنا في موته كي نحيا فيه بالروح. وبما ان أولادنا ينتسبون إلى هذا العهد مع الرب فاننا متأكدون بأن هذا الرمز الخارجي ينطبق عليهم حقا.
العشاء المقدس
عشاء الرب إشارة بواسطة الخبز والخمر إلى الشركة الروحية الحقيقية التي لنا في جسده ودمه. نقر انه بحسب رسمه يجب توزيعه على جماعة المؤمنين لكي يشتركوا فيه كل من يرغب في ان يكون يسوع حياته. وبقدر ما كان القداس عند البابا رسما شيطانيا هالكا يفسد سر العشاء المقدس فهو مقيت لنا كعبادة أوثان مرذولة من الله. لأنهم يعتبرونه ذبيحة من اجل خلاص النفوس لدرجة ان الخبز فيه يعبد كالله. والى ذلك يتضمن تجديفات وأوهام رديئة وإساءة لكلمة الله التي تتلى دون منفعة أو تنوير.
التقاليد البشرية
لا نعتبر الاحكام الضرورية للسلوك الداخلي في الكنيسة والتي تتعلق بحفظ السلام والنزاهة والنظام الصالح في اجتماع المسيحيين تقاليد بشرية لأنها مشمولة في وصية بولس حيث يرغب في ان تجري كل الأمور بلياقة وترتيب. اما كل القوانين والأنظمة التي تفرض على الضمير وتلزم المؤمنين بأمور لم يوص بها الله أو تنشأ عبادة أخرى لله غير التي يأمر بها وبالتالي تميل إلى تحطيم الحرية المسيحية فهذه ندين كتعاليم شيطانية منحرفة في ضوء ما قاله الرب عن انه يكرم باطلا بتعاليم هي وصايا الناس. ان هذا هو تقيمنا لرحلات الحج والأديرة وتمييز الأطعمة وتحريم الزواج والاعترافات “السرية” وما شابه.
الكنيسة
نعترف بان كنيسة يسوع المسيح واحدة ولكننا نعترف أيضا بضرورة وجود جماعات المؤمنين في أمكنة كثيرة، وكل جماعة من هؤلاء تسمى كنيسة. ولكن بما ان ليس الكل يجتمع باسم ربنا بل بعضهم لتلويث اسمه بأعمالهم الدنسة نؤمن بان علاماتي تميز كنيسة المسيح الحقة هما اثنتان: الوعظ والتبشير الحق بإنجيله المقدس وسماعه والحفاظ عليه بأمانة، والإجراء الصحيح لسريه بالرغم من بعض النواقص والأخطاء لأن هذه الأخيرة باقية ما بقي البشر. واما حيث لا يعلن الإنجيل ولا يسمع ويقبل فلا نعترف بوجود كنيسة. لذا فان الكنائس الخاضعة لأحكام البابا هي مجامع شيطانية لا كنائس مسيحية.
الحرم الكنسي
نعتبر ان نظام الحرم الكنسي امر مقدس ومفيد لأنه يوجد دوما من يزدري الله وكلمته ولا يأخذ بالنصيحة والتحذير والاحتجاج فمن هنا ضرورة تأديبه بشكل أعظم. وقد أنشا الرب هذا النظام لسبب جيد. فالهدف منه منع الاثمة من إفساد الصالحين بتصرفاتهم اللعينة ومن إهانة الرب، وتوبة المتكبرين. لذلك نعتقد بأنه من الناجح بحسب فريضة الله ان يفصل عن شركة المؤمنين حتى إعلان توبتهم عابدو الأوثان المنحرفون والقتلة واللصوص والفاسقون وشهود الزور ومحرضوا الفتن، والمشاكسون المفترون والسكارى والفاجرون بعد ان يكونوا قد حُذروا ولم ينصاعوا.
خدمة الكلمة
لا نعترف برعاة في الكنيسة غير رعاة كلمة الله الأمناء، يرعون خراف يسوع المسيح بالإرشاد والحث والتعزية والنصح والاستنكار من جهة، ويقاومون كل التعاليم الباطلة وخدع الشيطان دون ان يخلطوا مع تعاليم الكتاب النقي أحلامهم وتخيلاتهم التافهة من جهة أخرى. ولا نجيز لخدام الكلمة سلطانا غير سلطان القيادة والحكم والسياسة على شعب الله المعهود إليهم بكلمته التي لهم بها سلطة الامر والدفاع والوعد والتحذير، وبدونها لا يستطيعون- ولا يجب ان يحاولوا- أي شيء.
وكما نقبل الخدام الحقيقيين لكلمة الله وسفرائه ينبغي ان نصغي إليهم كما لله ذاته، ونعتبر ان خدمتهم تكليف الهي ضروري في الكنيسة. من جهة أخرى نعتقد انه يجب عدم احتمال الأنبياء الغواة والكذبة الذي يتخلون عن نقاوة الإنجيل وينحرفون في بدعهم، وهم ليسوا رعاة كما يزعمون بل ذئاب مفترسة ويجب ان يمسكوا ويطردوا من شعب الله.
الحكام
نعتبر ان سيادة الملوك والأمراء وغيرهم من الحكام والقادة وسلطانهم هو امر مقدس وترتيب حسن من الله. وبما انهم يتبعون دعوة مسيحية في تأديتهم وظيفتهم في الدفاع عن المبتلين والأبرياء أو في إصلاح خبث المنحرفين ومعاقبتهم يتوجب علينا ان نكرمهم ونهابهم ونقدم لهم الاحترام والخضوع وننفذ أوامرهم والقيام بما يوكلوننا به بقدر ما نستطيع ودون التعدي على الله. وخلاصة القول انه يجب ان نعتبرهم كممثلين لله وكنواب عنه وكل من يقاومهم يقاوم الله ذاته. أن مهماتهم تكليف مقدس من الله أوكلهم بها كي يحكمونا. لذلك نعتقد انه واجب على جميع المسيحيين ان يضرعوا إلى الله من اجل ازدهار رؤساء بلادهم وأسيادها، وان يطيعوا التشريعات والقوانين التي لا تخالف وصايا الله، وان يعززوا السعادة والسلام والخير العام، جاهدين في مؤازرة كرامة رؤسائهم وسلام الشعب، رافضين إثارة الشغب والشقاق. ونصرح من جهة أخرى ان جميع من لا يتصرفون بأمانة تجاه رؤسائهم ولا اهتمام صحيح لهم بخير البلد الذي يعيشون فيه يظهرون بذلك عدم أمانتهم لله.