أغصان الكرمةقسوس وقادة

جرجس عبدالملك تالوت

ولد جرجس عبد الملك تالوت في قرية صفط اللبن، مركز المنيا عام 1857م لأسرة مسيحيّة ميسورة الحال، كان هو الشقيق الأكبر لأختيه الصغيرتين؛ وكأقرانه في هذا الزمان، لم يتلق جرجس تعليمًا نظاميًا، لكنه أجاد القراءة والكتابة. في هذا الوقت خلت قريته صفط اللبن من أية كنيسة، وحتى ما قبل عام 1880م كان مسيحيو القرية يمارسون عبادتهم في الكنيسة الوحيدة الموجودة بقرية طحا الأعمدة المجاورة، أو دير العذراء مريم بجبل الطير، مركز سمالوط المنيا، وكلاهما كانتا أرثوذوكسيتان .

ومع قدوم الإرساليّة الأمريكيّة إلى المنيا بصُحبة الخُدَّام المصريين، ووصولهم إلى قريته صفط اللبن للتبشير، والتعليم، ونشر التعليم المشيخيّ، وجد جرجس عبد الملك ضالته في قبوله السيد المسيح مُخلصًا، بعد أن أهداه أحد المُرسلين الأجانب أول كتاب مقدّس تقع عليه عيناه،–وهو محفوظ للآن لدى العائلة؛ ولإدراكه سريعًا لمسئوليته تجاه خدمة سيده، وتضحيات المُرسلين لنشر كلمة الله، تقدم من فوره للمُرسلين قائلًا: “ساعدوني كي أكون شريككم بالخدمة.” فقبلوه بفرحٍ، وسريعًا ترجم جرجس عبد الملك إيمانه الوليد إلى عمل جاد حيث قدم للمُرسلين البغال والحمير لتسهل انتقالهم وخدمتهم في القرى المُجاورة، كقرية بني غني والعمودين، وإطسا البلد؛ كما تبرع بجزء من حديقة منزله لبناء كنيسة إنجيليّة بالقرية قبيل عام 1880م، وشجَّع الأهالي بكل طاقته للانضمام للكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة، وساند الكنيسة الوليدة بكل أمكانياته؛ وقد حصلت الكنيسة على قرار جمهوريّ في عهد الرئيس جمال عبد الناصر “1323لسنة 1970”.

وجهت إلارساليّة وقتها جهودها إلى شباب القرية التي قارب عدد سكانها الـ ٢٠٠٠ نسمة، ولم يقتصر اهتمام جرجس عبدالملك على العمل الروحيّ فقط، بل تفتح ذهنه لأهميّة التعليم والتنوير؛ فافتتح من فوره فصلًا تعليميًّا (كُتّابًا) لأبناء القرية كان يستدعي له المُعلمين من المُرسلين، لتدريس الطُلاب وتعليمهم القراءة والكتابة. وُلِدَ لجرجس عبد الملك سبعة أبناءٍ، ستةً من الذكور، وبنتًا واحدةً؛ حرص على تعليمهم وتنشئتهم في مخافة الرب، وإيمان الكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة؛ فقد كان يعقد درسًا خاصًا للكتاب المقدّس، والعقيدة الإنجيليَّة المشيخيَّة، يستدعي له أحد المُرسلين، لتعليم أبنائه ومن أراد من أبناء القرية. اعتمد أبناء جرجس عبد الملك جميعًا، وتزوجوا بحسب تنظيم وتعليم الكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة، وقد أقام مراسيم زفاف أبنائه رواد الكنيسة الأفاضل من أمثال القس. عيد تادرس، والقس. نصيف طانيوس ، مابين عام 1900و1920م.

مُستقبلًا تبرع ابنه د.فايز جرجس عبد الملك –وقد أصبح لاحقًا طبيبًا وعُمدةً للقرية- بقطعة أرض بلغت ثلاثة قراريط ونصف لبناء مدرسة باسم “مدرسة الكنيسة الإنجيليّة بصفط اللبن”، والتي أحدثت فارقًا ثقافيًّا وتنمويًّا كبيرًا بالقرية، إذ كان خريجي هذه المدرسة يتميزون بالكفاءة في اللغة الإنجليزيّة، والحساب، والعلوم، والتاريخ، والجغرافيا، إلى جانب الأشغال اليدويَّة والتدبير المنزلي، والموسيقى. تخرج من هذه المدرسة الكثير من قيادات القرية أو المحافظة، بل ومنهم من انطلق للعالميّة مثل الدكتور فوزي حبيب الذي عمل مستشارًا للبنك الدولي للإنشاء والتعمير بواشنطن، وكذلك المهندس مكرم (ويصا) عجايبي كبير مستشاري السلطان قابوس.

وضع د.فايز جرجس كل إمكانياته لخدمة أهالي القرية فيما يخص الرعاية الطبيّة. ولاحقًا أوقف أبنه الآخر الشيخ. فهمي جرجس عبد الملك –وهو أول من أوائل الشيوخ بهذه المنطقة في نهاية عشرينات القرن الماضي- قطعًا من الأراضي للإنفاق على المدرسة، والكنيسة،

والمساهمة في بناء كنائس جديدة أخرى خارج البلد، مثل كنيسة بني غني الإنجيليّة، والعمودين، وزاوية سلطان، وإطسا البلد، وعزبة بشرى، بينما سيم أبنه الثالث شاكر جرجس عبد الملك شماسًا في نهاية عشرينات القرن الماضي بكنيسة صفط اللبن الإنجيليّة.

وامتد عمل الله واستخدامه في الأسرة، فحاليًا حفيده القس. ألفريد فائق صموئيل جرجس عبد الملك، هو راعي الكنيسة الانجيليّة بالسويس، وحفيده الآخر الشيخ المهندس. رأفت رفعت شاكر –أخي- كان مُديرًا لقطاع الدعم الذاتيّ بالهيئة القبطيّة الإنجيلية للخدمات الاجتماعيّة بإطسا، والقس. عماد مجيد، والشيخ. أسامه إميل إبراهيم، شيخ الكنيسة الإنجيليّة الأولى بالمنيا، والشماسة سونه وديع بكنيسة صفط اللبن بالمنيا.

أعيد بناء الكنيسة الإنجيليّة بقرية صفط اللبن مرة أخرى في نفس موقعها، في عهد الراحل القس عياد حكيم نحو نهاية عام ١٩٧0م وهو ذات العام الذي توفي فيه، وجرى تجديدها مرة في عهد القس. رفقي متوشالح -صانع الخُدَّام- وقد تم في عهده توسعة و تجديد الكنيسة، وبناء قاعة المناسبات، ومبني الخدمات، وافتتحت بنهاية التجديدات على عهد القس. مدحت وديع، و حاليًا يرعاها القس. سامح عزمي حنس.

كتبها: رفيق رفعت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى