الثورة حالة إبداع جماعي فهل يمكنها الاستمرار؟
نشر فى : الخميس 21 يوليه 2011 – 9:16 ص | آخر تحديث : الخميس 21 يوليه 2011 – 9:16 ص
تتعرض ثورة 25 يناير من وقت لآخر لانتكاسات بسبب عدم توافق نبض وحماسة الثوار واستعجالهم لتحقيق الأهداف مع نبض وحماسة الوزارة المعنية والمجلس العسكرى، وأيضا بسبب الانقسامات الحادة بين المشاركين فى الثورة. والسؤال الذى يواجهنا فى هذه الحالة: لماذا كل هذه الانتكاسات.. وهل يمكن أن تستمر الثورة رغم المعوقات.. وما الضمان لذلك؟ وما سبب عدم التفاهم بين كل هذه الأطراف رغم الاتفاق بينهم على الثورة وحمايتها وعلى ضمان نجاحها فلا تجد طرفا من كل هؤلاء يريد أن يمنع استمرار تدفق الثورة وتحقيق أهدافها؟
●●●
ولكى نجيب عن هذه الأسئلة نحتاج العودة إلى إدارك طبيعة الثورة، فالثورات فى كل العالم هى حالة إبداع جماعى، والإبداع الجماعى يختلف عن الإبداع الفردى، فالإبداع الفردى يتوقف على الشخص المبدع وعلى المواهب التى يتمتع بها، وعلى شجاعته وجراءته فى أن يحطم الأطر القديمه التى كان يفكر من خلالها، ويخضع لها، فتعريف الإبداع هو تحطيم الأطر القديمة سواء فى الأدب أو الفن أو الفكر، والذى ينتج عنه مدرسة جديدة غير مسبوقة، وعادة ما يهاجم الناس الشخص المبدع لأنه خرج عن المألوف لكن بعد فترة من الزمن يستطيع من حوله أن يدركوا ما توصل له، ويمجدونه وغالبا يتم هذا بعد موته، أما الإبداع الجماعى فهو أيضا تحطيم لكل الأطر المحيطة، والتى تكبل الجماعة، وتبد وكأنها قدر لا يمكن الفكاك منه، وبعد أن ييأس البشر من الجمود المحيط، وعدم القدرة على التغيير، إذا بالجماعة تنتفض بسبب فكرة عبقرية تجمعهم معا يقتنعون بها، ويختارون لحظة فيها يحطمون الأطر القديمة ويبدعون طريقا جديدا للحرية والعدالة، وهذا الإبداع الجماعى يمكن أن يتم فى أى مجتمع من المجتمعات بغض النظر عن المستوى الثقافى أو الدينى أو الاقتصادى، وهو ما حدث فى مصر مع ثورة 25 يناير فبعد أن تسرب اليأس والاكتئاب والاستسلام للقدر والهزيمة لجموع الشعب، وبعد أن قدمت التحليلات للمجتمع بأن الشعب المصرى، من المستحيل أن يثور لأن 45% منه أميون وهناك أمية تعليمية تبلغ 80% من المتعلمين، ثم طبيعه الشعب المصرى التى لا تميل إلى الإبداع بسبب جغرافية مصر حيث يعيش شعبها على ضفاف النيل ويقوم بالزراعة وينتظر الحصاد.. وأن الشباب المصرى ليس مثقفا كفاية ليثور، وأن التطرف الدينى قضى على إبداع هذا الشعب، رغم كل ذلك كان هناك شباب على الفيس بوك يثقف نفسه بنفسه من خلال الشبكة العنكبوتية فى حوار مستمر مع شباب مماثل له فى مصر والعالم، ويستمع إلى تجارب الشعوب الأخرى فى أمريكا وآسيا وأوروبا.
وكان، الخروج يوم 25 يناير للإحتجاج على مقتل خالد سعيد، وكان يكفيهم استقالة وزير الداخلية لكن الزخم، الذى حدث مع الزحام غير المتوقع ومع البطء الشديد فى رد الفعل من مبارك جاءت لحظة الإبداع التى رفعت سقف المطالب بإسقاط النظام، وظهرت فكرة مبدعة أخرى بأن يعتصموا فى الميدان ولا يتركوه إلا بعد تحقيق المطالب، وهذه الفكرة لم تكن مطروحة، لكنها ظهرت فى الميدان كحالة إبداع وهكذا نجحت الثورة.
●●●
إلا أن هذه الثورة تعثرت أكثر من مرة بسبب عدم تحقيق مطالبها، مما اضطر الشباب للخروج مرة ومرات وبدراسة حالات الإبداع الجماعى نجد أن علماء الاجتماع وعلم النفس يصنفون الجماعات الأقل إبداعا تحت ثلاث نوعيات:
الأولى: العاملون بالجيش المنخرطون فى الأعمال العسكرية والذين يتربون، وينشأون على الطاعة الكاملة للأوامر والنظام الذى يحكمهم إذ يحصلون على الامتيازات بقدر دقة تحقيقهم للمهام المنوط بهم تنفيذها.
أما النوعية الأخرى فهم الذين يعملون فى المؤسسات والدعوة الدينية بكل أبعادها، حيث تحض المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية على الطاعة الكاملة لدرجة تقديس الأكبر وتنفيذ الأوامر وكأنها أوامر إلهية فطاعة أولى الأمر والرتب الدينية هى من طاعة الله، وهناك جماعات دينية متطرفة تتبع جميع الأديان يكون فيها النظام الداخلى فى منتهى التشدد.
أما النوعية الأخيرة فهم الموظفون الحكوميون البيروقراطيون، الذين لم يتدربوا على الإبداع، ويتبعون نظاما إداريا تقليديا وحديديا يصادر كل ما هو جديد أو مستحدث.
هذه النوعيات الثلاث من البشر ــ حسب وصف الخبراء ــ هم أقل الناس قبولا للتغيير والتفاعل مع الإبداع، بل يعتبرونه خروجا عن المألوف ويشمئزون منه، ويقومون بنبذ من يحاول الخروج على النظام، وهذه القوى المجتمعية هى التى تقف ضد كل مبدع فتدفعه فى غالب الأحيان إلى حافة الجنون، وحافة الجنون هذه هى التى تدفع المبدع إلى الانتحار أو القتل أو الاكتئاب الشديد فيتصرف بطريقة غير مقبولة من المجتمع.
●●●
وهذه هى المشكلة الحقيقية لثورة 25 يناير فالذين قاموا بالثورة كانوا شبابا مبدعا حطم كل الأطر السياسية القديمة، وخرج طلبا للحرية، لكن الأخوان المسلمين قفزوا على الثورة وكان لهم الفضل فى إنقاذها من الثورة المضادة فى موقعه الجمل، لكن بحسب طبيعتهم عادوا إلى الإطار الدينى والنظام الذى يعيشون فى ظله، وتوافقوا مع القوات المسلحة، والتى طبيعتها تشبه طبيعة المؤسسة الدينية فى أهمية الطاعه والنظام وإن كان المنطلق مختلفا لذلك نلاحظ أن هناك انسجاما بين الإخوان والمؤسسات الدينية من جانب والقوات المسلحة والوزارة البيروقراطية من الجانب الآخر والأمر ليس فيه أى تعجب أو استغراب، فكل هؤلاء يعتبرون الثورة خروجا على المألوف وتحطيما للأطر التقليدية، وهو ما يرفضونه ويريدون احتواءه بطريقة أو أخرى، فإذا كانت الثورة حققت للقوات المسلحة ما كانت تريده من رفض التوريث، وحققت للإخوان الحرية المجتمعية والخروج إلى النور، وحققت للمؤسسات الدينية ظهورا واضحا فى المجتمع، إلا أن كل هؤلاء لم يكن لديهم الاستعداد للإبداع الجماعى والسير على إيقاع الثورة والثوار، فتسبب هذا فى الضغوط التى دفعت الثورة إلى تصرفات غير طبيعية فكان الاعتصام وإغلاق مجمع التحرير والإضراب عن الطعام وإغلاق طريق السويس، والتهديد بإغلاق قناة السويس.. وكل هذا يعتبر انتحارا للثورة، أنها حافة الجنون التى يصاب بها المبدع الفرد، كما تصاب بها الجماعة المبدعة أيضا، ولقد وضح أن القوات المسلحة، والوزارة أدركتا أن الضغوط المحيطة بالثورة والثوار والبطء فى تحقيق المطالب هو الذى دفع الثوار إلى بعض من هذه المواقف، التى بدت غريبة ولذلك تجاوبت مع مطالب الثوار، وقدمت الوزارة برنامجا زمنيا لتلبية معظم مطالب الثورة والثوار.
●●●
والآن على القوات المسلحة والوزارة تخفيف الضغط وتهيئة جو أفضل للإبداع الجماعى تنضج فيه الثورة وتندفع نحو تحقيق أهدافها أما الطريقة العكسية أى التضييق على الثورة وخلق جو لا ينمو فيه الإبداع الجماعى سوف يؤدى إلى إجهاض الثورة أو انتحارها، وهو ما يجب أن يقف الجميع للحيلولة دونه.