أراء فكريةقضايا وأراء

الأسهل والأصعب

الأسهل والأصعب

إكرام لمعي

نشر فى : الخميس 12 مايو 2011 – 9:02 ص | آخر تحديث : الخميس 12 مايو 2011 – 9:02 ص

 من الملاحظات المهمة على طريقة إدارة شئون الدولة المصرية بعد ثورة 25 يناير، أن القائمين على الإدارة يحاولون حل الأزمة من أسهل طريق بغض النظر عن العيوب القاتلة للحلول السهلة ونتائجها التى تخلق مشاكل أكثر ولذلك نلاحظ أن كل أزمة تأتى أكبر من سابقتها ومن المعروف فعليا أن هناك طريقين للإدارة بدءا من تلميذ المرحلة الابتدائية وحتى رئيس الجمهورية، مرورا بمديرى الشركات ورؤساء المؤسسات وأساتذة الجامعات..الخ.
 
 
الطريقتان لهما بداية ونهاية واحدة لكن الاختلاف يقع فى منطقة المنتصف ما بين البداية والنهاية، والبداية فى الطريقتين هى وضع خطة العمل موضحا بها الهدف النهائى والأهداف المرحلية التى بإنجازها يتم تحقيق الهدف النهائى، والنهاية المطلوبة فى الحالتين هى انجاز الهدف المرجو، أما الاختلاف بين الطريقتين فيكمن فى ترتيب الأهداف المرحلية فهناك إدارة تفضل أن تبدأ بالأهداف سهلة الانجاز لتأخذ ثقة فى نفسها ثم تتقدم لتحقيق الأهداف الصعبة بالتدريج، اما الطريقة الأخرى فتبدأ بتحقيق الأهداف الصعبة فى بداية العمل وذلك لأن القائمين على العمل يكونون أكثر حماسة وقدرة على التركيز، وعند انجازهم الأهداف الصعبة تصبح الأهداف السهلة فى النصف الثانى من المشوار مثل نزهة خلوية وكجائزة على ما أنجزوه من أهداف صعبة، خاصة أنه فى النصف الثانى من الخطة يكون القائمون على العمل قد أنهكوا وأصابهم الملل ولذلك من المناسب فى هذه الحالة أن تكون الأهداف المراد تحقيقها أهدافا سهلة كل هذا بفرض أن أولويات تحقيق الأهداف تسمح بذلك.
 
 
لكن إن كانت الأولويات تفرض نفسها هنا لا ينظر القائمون على العمل إلى سهولة أو صعوبة الأهداف، وهو نفس ما يفعله التلميذ أثناء الاستذكار فهناك من يبدأ بالدرس السهل وينتهى بالأصعب وهناك من يفعل العكس لاقتناعه انه فى البداية يكون أكثر يقظة وتركيزا.
 

●●●


 
وإذا طبقنا هذه النظرية على ــ القوى التى تدير مصر اليوم وحاولنا أن نحلل أسلوبها فى تحقيق أهداف الثورة سوف نلاحظ أنهم وضعوا أمام كل الشعب أن الثورة قامت لأجل تأسيس مجتمع مدنى ديمقراطى يؤكد على الحرية والعدالة والمساواة..الخ ولأجل الوصول إلى الهدف لابد من وجود خطة تحتوى على أهداف سهلة وأخرى صعبة، وهذا كله تصور افتراضى أحاول من خلاله تقديم بعض الملاحظات على مسيرة الثورة فهل بدأت الثورة بالأسهل من الأهداف المرحلية أم بالأصعب؟
 
 
دعونا نحاول الفهم معا لقد كان التصور أن الخطوة الأصعب هى إسقاط النظام ولقد سيطرت هذه الفكرة على الجميع حتى رموز النظام نفسه، لكننا لاحظنا أن النظام انهار بسهولة شديدة بسب الخواء وسوس الفساد الذى نخر فى عظامه، وكذلك من موقف الجيش الرائع من الثورة، وهكذا وضح أن إسقاط النظام لم يكن بالصعوبة المتخيلة، وهكذا سرت فرحة غامرة بالنصر الحقيقى والذى فاجأ الجميع، وبسبب هذا كان لابد أن يتحول المنوطون بإدارة البلاد وبسرعة من الهدم إلى البناء لكن هل البناء يتساوى مع الهدم؟
 

●●●


 
لقد ثبتت الحقيقة الأزلية وهى أن الأسهل أن تهدم والأصعب أن تبنى، فالنظام الذى هدمته الثورة فى أيام، لم نستطع حتى الآن إقامة ملامح نظام جديد أيا كان، فشباب الثورة لم يقدموا تصورا واضحا لثورتهم سوى بعض الشعارات هنا وهناك وكان لابد وان يقدموا مبادئ واضحة المعالم مع تصور للدولة التى يحلمون بها سواء للمجلس العسكرى أو رئاسة الوزراء، ثم بعد أن تتبنى القوات المسلحة والوزارة هذه المبادئ تبدأ فى السير نحو تحقيق هذه الدولة، لكن ما يحدث الآن هو أن المجموعات التى قفزت فوق الثورة بدأوا يقدمون تصورهم الخاص للدولة متغاضين تماما عن الدولة التى كانت ومازالت فى ذهن شباب الثورة، أنهم يتحدثون عن دولة لها مرجعية دينية، عن دولة تطبق الشريعة، عن دولة اشتراكية أو رأسمالية..الخ.
 
 
وحتى الحوارات التى نراها هنا وهناك هى صراعات حول أشكال مختلفة للدولة القادمة، وهذا غريب لأننا لو عدنا إلى ميدان التحرير ورأينا الأدباء والفنانين والشعراء يغنون ويرقصون ويلحنون الشعارات، لوضح لنا أن الذين قاموا بالثورة يتوقون لدولة ليبرالية حرة بغير قيود التخلف والرقابة والتشدد الدينى، فى ذات الوقت رأينا التقارب المسيحى الإسلامى، حيث أقيمت عبادات مسيحية لأول مرة فى العصر الحديث فى احد الميادين وفى حراسة المسلمين، وظهر التكامل المسيحى الإسلامى فى أكمل الصور، إذن هذا الشباب يتوق إلى مجتمع بلا طائفية، يمتاز بحرية العقيدة، إذ هم يتوقون إلى مجتمع علمانى يضم جميع الأطياف الدينية ويبنى على المواطنة، ثم كانت المليونيات التى طالبت بالعدالة ومحاسبة رموز النظام.
 

●●●


 
إذن شكل الدولة التى أرادها الثوار واضح جدا للمجلس العسكرى وللوزارة، ولكى يحققوا هذه المبادئ على ارض الواقع نجد إنهم يحاولون البداية بالأسهل وليس الأصعب والأسهل هو تمجيد الشعارات الثورية وترديدها، لكن عند تنفيذهم لهذه الشعارات على الأرض لا نجد ما يمكن أن نمسكه بأيدينا فالوزارة تتراجع أمام طلبات شعب قنا الذى يتراجع بمبادئ الثورة أمام القبلية وكأن الثورة لم تصل إلى هناك أصلا لكنه هو الحل الأسهل، ومن العجيب أن الوزارة أصدرت قانونا يمنع التظاهرات التى تعطل العمل والمصالح، فما بالك بمن يعطل مرفق حكومى كالسكك الحديدية، إن ما تعلنه الوزارة والمجلس العسكرى فى موقفهما هذا تعطيل القانون الذى أصدراه ولم يحاولا تنفيذه على الأرض لأنه من السهل إصدار قانون لكن من الصعب تنفيذه، كسهولة رفع الشعار وصعوبة تحقيقه، كذلك من السهل الحديث بتفاؤل عن الثورة والبحث عن ايجابيات هنا أو هناك لكن من الصعب أن نقوم بنقد ذواتنا ونرى أخطاءنا ونصححها.
 

●●●


 
وأخيرا من السهل الإصلاح العشوائى أو نظرية إدارة إطفاء الحرائق، التى ترى حريقا فى مكان ما فتطفئه ثم تهرع إلى حريق آخر اكبر فالذى يحرك هذه الإدارة هو الأزمة التى تنشب فى مكان ما محاولة حلها مثل أزمة كاميليا أو أزمة أبوقرقاص أو أخيرا إمبابة لكن الأصعب أن تكون لدينا إدارة بالأهداف وهذا يتم أولا بوضع رؤيا مستقبلية واضحة المعالم ومفهوم الرؤيا هو (ما يجب أن يكون عليه المستقبل) ولابد أن نركز على تعبير (ما يجب) لأن كلنا لدينا توقعات مختلفة لمستقبل البلاد لكن ليس لدينا تصور لمستقبل مصر نقوم نحن بتحقيقه، وهو ما يعبر عنه مصطلح (ما يجب أن يكون عليه المستقبل) أى لا ننتظر المستقبل بل نصنعه بأنفسنا، وثانيها وضع أهداف مرحلية واضحة، وثالثها ترتيب هذه الأهداف بطريقة صحيحة طبقا لأولوية التحقيق مهما كانت صعوبتها وأخيرها تحقيق هذه الأهداف على أرض الواقع، فهل هذا غائب عن القائمين على إدارة البلاد؟ لا أظن، إذن لماذا يحدث ما يحدث ؟!.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى